باب ـ جعل الله في أول هذه الأمة عافيتها و في آخرها بلاءها
 
مسلم عن عبد الله بن عمر قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فنزلنا منزلاً فمنا من يصلح خباءه ، و منا من يتنضل ، و منا من هو في جشره إذ نادى منادي يا رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلاة جامعة ، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، و إن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها و سيصيب آخرها بلاء و أمور تنكرونها و تجيء فتنة فيدفق بعضها بعضاً ، و تجي الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي ثم تنكشف ، و تجيء الفتنة فيقول هذه منه ، فمن أراد أن يزحزح عن النار و يدخل الجنة فلتأته و هو يؤمن بالله و اليوم الآخر ، و ليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ، و من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده و ثمرة قلبه فليعطه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر قال ابن عبد الرحمن عبد رب الكعبة : فدنوت منه فقلت له : ناشدتك الله أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأهوى إلى أذنيه و قلبه بيديه و قال : سمعته أذناي و وعاه قلبي فقلت له : هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل و نقتل أنفسنا و الله عز و جل يقول : يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً فسكت ساعة ثم قال : أطعه في طاعة الله و اعصه في معصية الله .
فصل
قوله : ينتضل الانتضال الرمي بالسهام و الجشر المال من المواشي التي ترعى أمام البيوت و الديار ، يقال : مال جشر يرعى في مكانه لأنه يرجع إلى أهله . يقال : جشرنا دوابنا أي أخرجناها إلى المرعى و أصله البعد ، و منه يقال للأعزب : جشر و جشير لبعده عن النساء ، و في الحديث : من ترك قراءة القرآن شهرين فقد جشره أي بعد عنه . و قوله : يدفق بعضها بعضاً أي يتلو بعضها بعضاً و ينصب بعضها على بعض . و التدفق التصبب . و هذا المعنى مبين في نفس الحديث لقوله و تجيء الفتنة ثم تنكشف و تجيء الفتنة و تزحزح أي تبعد و منه قوله تعالى و ما هو بمزحزحه من العذاب أي بمبعده ، و صفقة اليد أصلها ضرب الكف على الكف زيادة في الاستيثاق مع النطق باللسان و الالتزام بالقلب ، و في التنزيل . إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم الآية . و قوله : فاضربوا عنق الآخر قيل : المراد عنه و خلعه و ذلك قتله و موته ، و قيل : قطع رأسه و إذهاب نفسه يدل عليه قوله في الحديث الآخر : فاضربوه بالسيف كائناً ما كان ، و هو ظاهر الحديث هذا إذا كان الأول عدلاً ، و الله أعلم .