باب جواز الدعاء بالموت عند الفتن و ما جاء أن بطن الأرض خير من ظهرها
 
مالك ، عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يدعو فيقول : اللهم إني أسألك فعل الخيرات و ترك المنكرات و حب المساكين ، و إذا أردت الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون و قد تقدم هذا في أول الكتاب . قال ابن وهب : و حدثني مالك قال : كان أبو هريرة يلقى الرجل فيقول له : مت إن استطعت فيقول له لم ؟ قال تموت و أنت تدري على ما تموت خير لك من أن تموت و أنت لا تدري على ما تموت عليه . قال مالك : و لا أرى عمر دعا ما دعا به من الشهادة إلا خالف التحول من الفتن .
قلت : و قد جاء هذا المعنى مرفوعاً عن أبي هريرة ، روى النضر بن شميل عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ويل للعرب من شر قد اقترب موتوا إن استطعتم . و هذا غاية في التحذير من الفتن و الخوض فيها حين جعل الموت خيراً من مباشرتها .
و روى الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كان أمراؤكم خياركم و أغيناؤكم سمحاءكم و أموركم شورى بينكم ، فظهر الأرض خير لكم من بطنها ، و إذا كان أمراؤكم شراركم و أغنياؤكم بخلاءكم و أموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها قال أبو عيسى : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح المري في حديثه غرائب لا يتابع عليها و هو رجل صالح .
البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه أخرجه مسلم ، و ابن ماجه بمعناه ، و زاد مثنى و ليس به الدين إلا البلاء .
و روى شعبة عن سلمة بن كهيل سمعت أبا الزعاء يحدث عن عبد الله قال : [ ليأتين على الناس زمان يأتي الرجل القبر فيقول يا ليتني مكان هذا . ليس به حب الله و لكن من شدة ما يرى من البلاء ] .
قلت : و كان هذا إشارة إلى أن كثرة الفتن و شدة المحن و المشقات و الأنكاد اللاحقة للإنسان في نفسه و ماله و ولده قد أذهبت الدين منه ، و من أكثر الناس أو قلة الاعتناء به من الذي يتمسك بالدين عند هجوم الفتن ، و كذلك عظم قدر العبادة في حالة الفتن حتى قال النبي صلى الله عليه و سلم العبادة في الهرج كهجرة إلي و قد مضى الكلام في هذا المعنى في أول الكتاب ، و نزيده وضوحاً إنه شاء الله تعالى و الله أعلم .