باب العشر آيات التي تكون قبل الساعة و بيان قوله تعالى : اقتربت الساعة و انشق القمر
 
روي عن حذيفة أنه قال : كنا جلوس بالمدينة في ظل حائط و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في غرفة فأشرف علينا و قال : ما يجلسكم ؟ فقلنا : نتحدث . فقال : فيماذا ؟ فقلنا : عن الساعة فقال : إنكم لا ترون الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات ، أولها طلوع الشمس من مغربها ثم الدخان ثم الدجال ثم الدابة ثم ثلاث خسوف : خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب ، و خروج عيسى و خروج يأجوج و مأجوج ، و يكون آخر ذلك ناراً تخرج من اليمن من حفرة عدن لا تدع أحداً خلفها إلا تسوقه إلى المحشر ذكره القتبي في كتاب عيون الأخبار له .
و خرجه مسلم بمعناه عن حذيفة قال : اطلع رسول الله صلى الله عليه و سلم من غرفة و نحن نتذاكر الساعة فقال : لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها و الدجال و الدخان و الدابة و يأجوج و مأجوج و خروج عيسى بن مريم و ثلاث خسوف : خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب و نار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم إذا باتوا و تقيل معهم إذا قالوا . خرجه ابن ماجه و الترمذي و قال : حديث حسن . و في رواية : الدخان و الدجال و الدابة و طلوع الشمس من مغربها و نزول عيسى بن مريم و ثلاث خسوفات : خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب و آخر ذلك نار تخرج من اليمن تطردهم إلى محشرهم .
و في البخاري عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أول أشراط الساعة نار تخرج تحشر الناس من المشرق إلى المغرب .
مسلم عن عبد الله بن عمر قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن أول الآيات خروجاً عن طلوع الشمس من مغربها و خروج الدابة على الناس ضحى و أيهما ما كانت قبل صاحبتها فأخرى على أثرها قريباً منها . و في حديث حذيفة مرفوعاً ، ثم قال عليه الصلاة و السلام : كأني أنظر إلى حبشي أحمش الساقين أزرق العينين أفطس الأنف كبير البطن ، و قد صف قدميه على الكعبة هو و أصحاب له و هم ينقضونها حجراً حجراً و يتداولونها بينهم حتى يطرحوها في البحر ، فعند ذلك تكون علامات منكرات طلوع الشمس من مغربها ثم الدجال ثم يأجوج و مأجوج ثم الدابة و ذكر الحديث .
فصل
جاءت هذه الآيات في هذه الأحاديث مجموعة غير مرتبة ما عدا حديث حذيفة المذكور أولاً ، فإن الترتيب فيه بثن و ليس الأمر كذلك على ما نبينه ، و قد جاء ترتيبها من حديث حذيفة أيضاً : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في غرفة و نحن أسفل منه فاطلع إلينا فقال : ما تذكرون ؟ قلنا : الساعة . قال : إن الساعة لا تكون حتى تروا عشر آيات : خسف بالمشرق ، و خسف بالمغرب ، و خسف بجزيرة العرب ، و الدخان ، و الدجال ، و دابة الأرض ، و يأجوج و مأجوج ، و طلوع الشمس من مغربها ، و نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس .
و قال بعض الرواة في العاشرة : و نزول عيسى بن مريم ، و قال بعضهم : و ريح يلقى الناس في البحر أخرجه مسلم فأول الآيات على ما في هذه الرواية الخسوفات الثلاثة ، و قد وقع بعضها في زمن النبي صلى الله عليه و سلم . ذكره ابن وهب و قد تقدم .
و قد ذكر أبو الفرج بن الجوزي أنه وقع بعراق العجم زلازل و خسوفات هائلة هلك بسببها خلق كثير .
قلت : و قد وقع ذلك عندنا بشرق الأندلس فيما سمعنا من بعض مشايخنا بقرية يقال لها [ قطرطندة ] من قطر دانية سقط عليها جبل هناك فأذهبها .
و أخبرني أيضاً بعض أصحابنا أن قرية من أعمال برقة يقال لها [ ترسة ] أصابها زلزلة شديدة هدت حيطانها و سقفها على أهلها فماتوا تحتها ، و لم ينج منهم إلا قليل ، و وقع في هذا الحديث دابة الأرض قبل يأجوج و مأجوج و ليس كذلك ، فإن أول الآيات ظهور الدجال ، ثم نزول عيسى عليه السلام ، ثم خروج يأجوج و مأجوج ، فإذا قتلهم الله بالنغف في أعناقهم على ما يأتي ، و قبض الله تعالى نبيه عيسى عليه السلام ، و خلت الأرض منا ، و تطاولت الأيام على الناس ، و ذهب معظم دين الإسلام أخذ الناس في الرجوع إلى عاداتهم و أحدثوا الأحداث من الكفر و الفسوق ، كما أحدثوه بعد كل قائم نصبه الله تعالى بينه و بينهم حجة عليهم ثم قبضه ، فيخرج الله تعالى لهم دابة من الأرض فتميز المؤمن من الكافر ليرتدع بذلك الكفار عن كفرهم و الفساق عن فسقهم و يستبصروا و ينزعوا عما هم فيه من الفسوق و العصيان ، ثم تغيب الدابة عنهم و يمهلون ، فإذا أصروا على طغيانهم طلعت الشمس من مغربها و لم يقبل ببعد ذلك لكافر و لا فاسق توبة و أزيل الخطاب و التكليف عنهم ، ثم كان قيام الساعة على أثر ذلك قريباً لأن الله تعالى يقول : و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون فإذا قطع عنهم التعبد لم يقرهم بعد ذلك في الأرض زماناً طويلاً . هكذا ذكره بعض العلماء .
و أما الدخان : فروي من حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه و سلم إن من أشراط الساعة دخاناً يملأ ما بين المشرق و المغرب يمكث في الأرض أربعين يوماً .
فأما المؤمن : فيصيبه منه شبه الزكام . و أما الكافر : فيكون بمنزلة السكران يخرج الدخان من أنفه و منخريه و عينيه و أذنيه و دبره و قيل : هذا الدخان من آثار جهنم يوم القيامة .
و روي هذا عن علي و ابن عمر و أبي هريرة و ابن عباس و ابن أبي مليكة و الحسن و هو معنى قوله تعالى فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين .
و قال ابن مسعود في هذه الآية : إنه ما أصاب قريشاً من القحط و الجهد حتى جعل الرجل يرى بينه و بين السماء كهيأة الدخان من الجهد حتى أكلوا العظام ، و قد مضت البطشة و الدخان و اللزام ، و الحديث عنه بهذا في كتابي مسلم و البخاري و غيرهما ، و قد فسر البطشة بأنها وقعة بدر .
قال أبو الخطاب ابن دحية : و الذي يقتضيه النظر الصحيح حمل ذلك على قضيتين : إحدهما وقعت و كانت الأخرى ستقع و ستكون ، فأما التي كانت فالتي كانوا يرون فيها كهيأة دخان و هي الدخان غير الدخان الحقيقي الذي يكون عند ظهور آيات التي هي من الأشراط و العلامات ، و لا يمتنع إذا ظهرت هذه العلامة أن يقولوا ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون فيكشف عنهم ثم يعودون لقرب الساعة ، و قول ابن مسعود لم يسنده إلى النبي صلى الله عليه و سلم إنما هو من تفسيره ، و قد جاء النص عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بخلافه .
قال المؤلف رحمه الله : قد روي عن ابن مسعود أنهما دخانان . قال مجاهد : كان ابن مسعود يقول : هما دخانان قد مضى أحدهما و الذي بقي يملأ ما بين السماء و الأرض و لا يجد المؤمن منه إلا كالزكمة ، و أما الكافر فتثقب مسامعه فتبعث مسامعه فتبعث عند ذلك الريح الجنوب من اليمن فتقبض روح كل مؤمن و مؤمنة و يبقى شرار الناس .
و اختلف في البطشة و اللزام فقال أبي : هو القتل بالسيف يوم بدر . و إليه نجا ابن مسعود و هو قول أكثر الناس ، و على هذا تكون البطشة و اللزام شيئاً واحداً قال ابن مسعود : البطشة الكبرى وقعة بدر . و قيل : هي يوم القيامة و أصل البطش الأخذ بشدة وقع الألم . و اللزام في اللغة : الفصل في القضية . و فسره ابن مسعود بأن ذلك كان يوم بدر و هو البطشة الكبرى في قوله أيضاً .
و قيل : إن اللزام هو المذكور في قوله تعالى فسوف يكون لزاماً و هو العذاب الدائم . و أما الدجال فيأتي ذكره في أبواب أخرى ، و أما الدابة فهي التي قال الله تعالى و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم .
و ذكر أهل التفسير أنه خلق عظيم يخرج من صدع من الصفا لا يفوتها أحد ، فتسم المؤمن فتنير وجهه و يكتب بين عينيه كافر . و روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن هذه الدابة هي الجساسة على ما يأتي ذكره في خبر الدجال ، و روي عن ابن عباس أنها الثعبان الذي كان يبئر الكعبة فاختطفه العقاب . و سيأتي بيانه .
و أما قوله : و آخر ذلك نار تخرج من اليمن ، و في الرواية الأخرى من قعر عدن . و في الرواية الأخرى من أرض الحجاز قال القاضي عياض ، فلعلهما ناران تجتمعان لحشر الناس أو يكون ابتداء خروجهما من اليمن فظهورهما من الحجاز .
قلت : أما النار التي تخرج من أرض الحجاز فقد خرجت على ما تقدم القول فيها ، و بقيت النار التي تسوق الناس إلى المحشر و هي التي تخرج من اليمن و قد مضى القول في الحشر ، و يأتي القول في طلوع الشمس من مغربها .
فأما قوله الله تعالى : اقتربت الساعة و انشق القمر فقد روي أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم آية فأراهم القمر منشقاً نصفين و الجبل بينهما فقال اشهدوا . ثبت في الصحيحين و غيرهما .
و من العلماء مكن قال : إنه ينشق كقوله تعالى أتى أمر الله أي يأتي . قال الحليمي أبو عبد الله في كتاب منهاج الدين له : فإن كان هذا فقد أتى و رأيت ببخاري الهلال و هو ابن ليلتين منشقاً نصفين عرض كل واحد منهما كعرض القمر ليلة أربع أو خمس ، و ما زلت أنظر إليهما حتى اتصلا كما كانا ، و لكنهما في شكل واحد شكل أترجة ، و لم أمل طرفي عنهما إلى أن غابت و كان معي ليلتئذ كتيبة من شريف وفقيه و غيرهما من طبقات الناس و كلهم رأى ما رأيت ، و أخبرني من وثقت به أنه رأى الهلال و هو ابن ثلاث منشقاً نصفين : قال الحليمي : فقد ظهر أن قول الله و انشق القمر إنما خرج على الانشقاق الذي هو من أشراط الساعة دون الانشقاق الذي جعله الله آية لرسوله صلى الله عليه و سلم .