باب ـ ذكر الدجال و صفته و نعته
 
ذكر الدجال و صفته و نعته و من أين يخرج و ما علامة خروجه و ما معه إذا خرج و ما ينجى منه و أنه يبرئ الأكمه و الأبرص و يحيى الموتى .
قال ابن دحية قال العلماء : الدجال في اللغة يطلق على عشرة وجوه :
الأول : أن الدجال الكذاب قاله الخليل و غيره و أنها دجلة بسكون الخيم ، و دجلة بفتحها كذبة لأنه يدجل الحق بالباطل ، و جمعه دجالون و دجاجلة في التكسير و قد تقدم .
الوجه الثاني : أن الدجال مأخوذ من الدجل ، و هو طلاء البعير بالقطران سمي بذلك لأنه يغطي الحق و يستره بسحره و كذبه ، كما يغطي الرجل جرب بعيره بالدجالة و هي القطران يهنأ به البعير و اسمه إذا فعل به ذلك المدجل قاله الأصمعي .
الوجه الثالث : إنما سمي بذلك لضربه في نواحيه الأرض و قطعه لها يقال : دجل الرجل إذا فعل ذلك .
الوجه الرابع : أنه من التغطية لأنه يغطي الأرض بمجموعه ، و الدجل التغطية . قال دريد : كل شيء غطيته فقد دجلته و منه سميت دجلة لانتشارها على الأرض و تغطية ما فاضت عليه .
الوجه الخامس : سمي دجالاً لقطعه الأرض إذ يطأ جميع البلاد إلا مكة و المدينة . و الدجالة الدفقة العظيمة .
و أنشد ابن فارس في المجمل :
دجالة من أعظم الرقاق .
الوجه السادس : سمي دجالاً ، لأنه يغر الناس بشره كما يقال لطخني فلان بشره .
الوجه السابع : الدجال : المخرق .
الوجه الثامن : الدجال : المموه قاله ثعلب و يقال سيف مدجل إذ كان قد طلى بالذهب .
الوجه التاسع : الدجال : ماء الذهب الذي يطلى به الشيء فيحسن باطله و داخله خزف أو عود سمي الدجال بذلك لأنه يحسن الباطل .
الوجه العاشر : الدجال : فرند السيف ، و الفرند جوهر السيف و ماؤه و يقال بالفاء و الباء إذ أصله عين صافية على ما تنلطق به العجم ، فعربته العرب ، و لذلك قال سبيويه و هو عندهم خارج عن أمثله العرب . و الفرند أيضاً الحرير . و أنشد ثعلب :
بحلية الياقوت و الفرندا مع الملاب و عبير أصردا
أي خالصاً . قال ابن الأعرابي يقال للزعفران الشعر و الملاب و العبير و المردقوش و الحشاد . ذكر هذه الأقوال العشرة الحافظ أبو الخطاب بن دحية رحمه الله في كتاب مرج البحرين في فوائد المشرقين و المغربين .
مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال و في رواية : من آخر سورة الكهف .
أبو بكر بن أبي شيبة ، عن الفلتان بن عاصم ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أما مسيح الضلالة فرجل أجلى الجبهة ممسوح العين اليسرى عريض المنخر فيه الدفاء قوله فيه : دفا أي انحناء .
و عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الدجال أعور العين اليسرى جفال الشعر معه جنة و نار فناره جنة و جنته نار و عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا أعلم بما مع الدجال منه . معه نهرنان يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض و أحدهم الآخر رأي العين نار تأجج ، فأما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً و ليغمض و ليطأطئ رأسه فيشرب فإنه ماء بارد و أن الدجال ممسوخ العين عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه يقرؤه كل مؤمن كاتب و غير كاتب .
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية : كذا عند جماعة . رواه مسلم فإما أدركن قال ابن دحية : و هو وهم فإن لفظه هو لفظ الماضي ولم أسمع دخول نون التوكيد على لفظ الماضي إلا ها هنا ، لأن هذه النون لا تدخل على الفعل و صوابه ما قيده العلماء في صحيح مسلم منهم التميمي أبو عبد الله : فإما أدركه أحد.
و عن عبد الله بن عمر : قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم يوماً بين ظهراني الناس المسيح الدجال فقال : : إن الله ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية .
قال : و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أراني الليلة في المنام عند الكعبة فإذا رجل آدم كأحسن ما ترى من آدم الرجال تضرب لمته بين منكبيه رجل الشعر يقطر رأسه ماء واضعاً يده على منكبي رجلين و هو يطوف بالبيت ، فقلت : من هذا ؟ فقالوا : هو المسيح بن مريم ، و رأيت وراءه رجلاً جعداً قططاً أعور العين اليمنى كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن واضعاً يديه على منكبي رجلين يطوف بالبيت فقلت من هذت قالوا هو المسيح الدجال .
أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : الدجال أعور مدهجان أقمر كأن رأسه غضنة شجرة أشبه الناس بعبد العزي بن قطن الخزاعي فإما أهلك هلك فإنه أعور و أن الله ليس بأعور . .
أبو داود الطيالسي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أما مسيح فإنه أعور العين أجلي الجبهة عريض المنحر فيه اندفاء مثل قطن بن عبد العزي ، فقال له الرجل : أيضر بي يا رسول الله صلى الله عليه و سلم شبهه ؟ فقال : لا أنت مسلم هو كافر .
و خرج عن أبي بن كعب قال ذكر الدجال عند النبي صلى الله عليه و سلم أو قال ذكر النبي صلى الله عليه و سلم الدجال فقال : إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء و تعوذ بالله من عذاب القبر .
الترمذي ، عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الدجال ليخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان يتبعه أفواج كأن وجوههم المجان المطرقة إسناده صحيح .
و ذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر بن عن أبي هانئ العبدي ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفاً عليهم السيجان و السيجان جمع الساج و هو طيلسان أخضر . و قال الأزهري هو المطيليل المقور بنسج كذلك .
الطبراني ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر عنده الدجال فقال : إن قبل خروجه ثلاث أعوام تمسك السماء في العام الأول ثلث قطرها و الأرض ثلث نباتها ، و العام الثاني تمسك السماء ثلثي قطرها و الأرض ثلثي نباتها ، و العام الثالث تمسك السماء قطرها و الأرض نباتها حتى لا يبقى ذات ضرس و لا ذات ظلف إلا مات و ذكر الحديث .
خرجه أبو داود الطيالسي قال : حدثنا هشام عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أسماء و عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أسماء .
و أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة ، و في بعض الروايات بعد قوله : و في السنة الثالثة يمسك الله المطر و جميع النبات فما ينزل من السماء قطرة و لا تنبت الأرض خضرة و لا نباتاً ، حتى تكون الأرض كالنحاس و السماء كالزجاج ، فيبقى الناس يموتون جوعاً و جهداً ، و تكثر الفتن و الهرج ، و يقتل الناس بعضهم بعضاً ، و يخرج الناس بأنفسهم و يستولي البلاء على أهل الأرض ، فعند ذلك يخرج الملعون الدجال من ناحية أصبهان من قرية يقال لها اليهودية و هو راكب حماراً أبتر يشبه البغل ما بين أذني حماره أربعون ذراعاً و من نعت الدجال : أنه عظيم الخلقة طويل القامة جسيم أجعد قطط أعور العين اليمنى كأنها لم تخلق ، و عينه الأخرى ممزوجة بالدم و بين عينيه مكتوب : كافر يقرؤه كل مؤمن بالله فإذا خرج يصيح ثلاث صيحات ليسمع أهل المشرق و المغرب .
و يروى أنه إذا كان في آخر الزمان تخرج من البحر امرأة ذات حسن و جمال بارع ، فتدعو الناس إلى نفسها و تخترق البلاد فكل من أتاها كفر بالله ، فعند ذلك يخرج الله عليكم الدجال ، و من علامة خروجه فتح القسطنطينية لأن الخبر ورد أن بين خروجه و فتح القسطنطينية سبعة أشهر و قد تقدم هذا .
و ذكر أبو داود الطيالسي قال : حدثنا الحشرج بن نباتة قال : حدثنا سعيد ابن جمهان عن سفينة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إنه لم يكن نبي إلا و قد أنذر أمته الدجال . ألا و إنه أعور العين بالشمال و باليمين ظفرة غليظة . بين عينيه كافر يعني مكتوب كافر يخرج معه واديان أحدهما جنة و الآخر نار ، فناره جنة و جنته نار فيقول الدجال للناس : ألست بربكم أحيي و أميت و معه ملكان يشبهان نبيين من الأنبياء إني لأعرف اسمهما و اسم آبائهما لو شئت أن أسميهما سميتهما أحدهما عن يمينه و الآخر عن شماله فيقول : ألست بربكم أحيي و أميت ؟ فيقول أحدهما : كذبت فلا يسمعه من الناس أحد إلا صاحبه ، و يقول الآخر : صدقت و ذلك فتنة ثم يسير حتى يأتي المدينة فيقول هذه قرية ذاك الرجل فلا يؤذن له أن يدخلها ، ثم يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله عند عقبة أفيق .
و خرجه أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي في الجزء العاشر من مختصر المعجم له بمعناه فقال : حدثنا محمد بن عبد الوهاب قال : حدثنا حشرج عن سعيد ابن جمهان عن سفينة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنه لم يكن نبي قبل إلا و قد حذر أمته من الدجال إنه أعور عينه اليسرى بعينه اليمنى ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن بالله معه واديان : أحدهما جنة و الآخر نار ، و معه ملكان يشبهان نبين من الأنبياء ، و لو شئت سميتهما بأسماء و أسماء آبائهما ، أحدهما عن يمينه و الآخر عن شماله فيقول الدجال : ألست بربكم أحيي و أميت فيقول أحد الملكين : كذبت فلا يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه ، فيقول له صدقت ، فيسمعه الناس فيظنون أنه صدق الدجال فذلك فتنة ثم يسير الدجال حتى يأتي المدينة فلا يؤذن له فيقول هذه قرية ذلك الرجل ، ثم يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله عند عقبة افيق .
قال ابن برجان في كتاب الإرشاد له : و الذي يغلب على ظني أن النبيين المشبه بها أحدهما المسيح ابن مريم و الآخر محمد صلى الله عليه و سلم ، و لذلك ما أنذرا بذلك و وصيا .
و خرج أبو داود في سننه ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إني كنت حدثتكم عن المسيح الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا أن المسيح الدجال قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليست بناتئة و لا حجراء فإن التبس عليكم فاعلموا أن ربكم عز و جل ليس بأعور .
فصل
وصف النبي صلى الله عليه و سلم الدجال وصفاً لم يبق معه لذي لب إشكال ولتك الأوصاف كلها ذميمة تبين لكل ذي حاسة سليمة ، لكن من قضى الله عليه بالشقاوة تبع الدجال فيما يدعيه من الكذب و الغباوة و حرم اتباع الحق و نور التلاوة ، فقوله عليه الصلاة و السلام إنه أعور و أن الله ليس بأعور تبيين للعقول القاصرة أو الغافلة على أن من كان ناقصاً في ذاته عاجزاً عن إزالة نقصه لم يصلح أن يكون إلها لعجزه و ضعفه ، و من كان عاجزاً عن إزالة نقصه كان أعجز عن نفع غيره و عن مضرته . و جاء في حديث حذيفة : أعور العين اليسرى ، و في حديث ابن عمر : أعور العين اليمنى ، و قد أشكل الجمع بين الحديثين على كثير من العلماء ، قال : و حتى إن أبا عمر بن عبد البر ، ذكر ذلك في كتاب التمهيد له .
و في حديث سمرة بن جندب أن نبي الله صلى الله عليه و سلم كان يقول : إن الدجال خارج و هو أعور العين الشمال عليها ظفرة غليظة و أنه يبرئ الأكمه و الأبرص و يحيىالموتى و يقول للناس : أنا ربكم فمن قال : أنت ربي فقد فتن و من قال : ربي الله عز و جل حتى يموت على ذلك فقد عصم من فتنته ، و لا فتنة عليه و لا عذاب فيلبث في الأرض ما شاء ، ثم يجيء عيسى عليه السلام من قبل المغرب مصدقاً بمحمد صلى الله عليه و سلم و علىملته فيقتل الدجال ثم إنما هو قيام الساعة .
قال أبو عمر بن عبد البر ففي هذا الحديث أعور العين الشمال ، و في حديث مالك : أعور العين اليمنى . فالله أعلم . و حديث مالك أصح من جهةالإسناد لم يزد على هذا .
قال أبو الخطاب بن دحية ليس كما قال بل الطرق كلها صحيحة في العينين و قال شيخنا أحمد بن عمر في كتاب المفهم له : و هذا اختلاف يصعب الجمع فيه بينهما ، و قد تكلف القاضي عياض الجمع بينهما فقال : الجمع بين الروايتين عندي صحيح و هو أن كل واحدة منهما عوراء من وجه ما إذ العور حقيقة في كل شيء العيب و الكلمة . العوراء هي المعيبة فالواحدة عوراء بالحقيقة و هي التي وصفت بالحديث بأنها ليست بحجراء و لا ناتئة و ممسوحة و مطموسة و طافية على رواية الهمز ، و الأخرى عوراء لعيبها اللازم لها لكونها جاحظة أو كأنها كوكب دري أو كأنها عنبة طافية بغير همز ، و كل واحدة منهما يصح فيه الوصف بالعور بحقيقة العرف و الاستعمال أو بمعنى العور الأصلي . قال شيخنا وحاصل كلامه : أن كل واحدة من عيني الدجال عوراء أحدهما بما أصاب حتى ذهب إدراكها ، و الثانية عوراء بأصل خلقتها معيبة ، لكن يبعد هذا التأويل أن كل واحدة من عينيه قد جاء و صفها في الرواية بمثل ما وصفت به الأخرى من العور ، فتأمله .
قلت: ما قاله القاضي عياض و تأويله صحيح ، و أن العور في العينين مختلف كما بيناه في الروايات ، فإن قوله : كأنها لم تخلق هو معنى الرواية الأخرى مطموس العين ممسوخها ليست بناتئة و لا حجراء ، و وصف الأخرى بالمزج بالدم و ذلك عيب عظيم لا سيما مع وصفها بالظفرة الغليظة التي هي عليها و هي جلدة غليظة تغشى العين . و على هذا فقد يكون العور في العينين سواء ، لأن الظفرة مع غلظها تمنع من الإدراك فلا تبصر شيئاً فيكون الدجال على هذا أعمى أو قريباً منه ، إلا أنه جاء ذكر الظفرة في العين اليمنى في حديث سفينة و في الشمال في حديث سمرة بن جندب . و قد يحتمل أن يكون كل عين عليها ظفرة غليظة ، فإن في حديث حذيفة : و إن الدجال ممسوخ العين عليها ظفرة غليظة و إذا كانت الممسوخة المطموسة عليها ظفرة فالتي ليست كذلك أولى فتتفق الأحاديث ، و الله أعلم .
و قيل في الظفرة : إنها لحمة تنبت عند المآقي كالعلقة ، و قيده بعض الرواة بضم الظاء و سكون الفاء وليس بشيء قاله ابن دحية رحمه الله .
فصل ـ الإيمان بالدجال و خروجه حق
الإيمان بالدجال و خروجه حق ، و هذا مذهب أهل السنة و عامة أهل الفقه و الحديث خلافاً لمن أنكر أمره من الخوارج و بعض المعتزلة و وافقنا على إثباته بعض الجهنمية و غيرهم ، لكن زعموا أن ما عنده مخارق و حيل قالوا لأنها لو كانت أموراً صحيحة لكان ذلك إلباساً الكاذب بالصادق ، و حينئذ لا يكون الفرق بين النبي و المتنبي و هذا هذيان لا يلتفت إليه و لا يعرج عليه ، فإن هذا إنما كان يلزم لو أن الدجال يدعي النبوة و ليس كذلك فإنه إنما ادعى الإلهية ، و لهذا قال عليه الصلاة و السلام : إن الله ليس بأعور تنبيهاً للعقول على فقره و حدثه و نقصه و إن كان عظيماً في خلقه ، ثم قال : مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن و مؤمنة كاتب أو غير كاتب و هذا الأمر مشاهد للحس يشهد بكذبه و كفره .
و قد تأول بعض الناس : مكتوب بين عينيه كافر فقال : معنىذلك ما ثبت من سمات حدثه و شواهد عجزه و ظهور نقصه قال : و لو كان على ظاهره و حقيقته لاستوى في إدراك ذلك المؤمن و الكافر . و هذا عدول و تحريف عن حقيقة الحديث من غير موجب لذلك ، و ما ذكره من لزوم المساواة بين المؤمن و الكافر في قراءة ذلك لايلزم لأن الله تعالى يمنع الكافر من إدراكه ليغتر باعتقاده التجسيم حتى يوردهم بذلك نار الجحيم . فالدجال فتنة و محنة من نحو فتنة أهل المحشر بالصورة الهائلة التي تأتيهم فيقول لهم : أنا ربكم فيقول المؤمنون : نعوذ بالله منك . حسب ما تقدم لا سيما و ذلك الزمان قد انخرقت فيه عوائد فليكن هذا منها ، و قد نص على هذا بقوله : يقرؤه كل مؤمن كاتب و غير كاتب . و قراءة غير الكاتب خارقة للعادة . و أما الكافر فمصروف عن ذلك بغفلته و جهله و كما انصرف عن إدراك نقص عوره و شواهد عجزه ، كذلك يصرف عن قراءة سطور كفره و رمزه .
و أما الفرق بين النبي و المتنبي ، فالمعجزة لا تظهر على يد المتنبي لأنه لزم منه انقلاب دليل الصدق دليل الكذب و هو محال .
و قولهم : إن ما يأتي به الدجال حيل و مخاريق فقول معزول عن الحقائق لأن ما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم من تلك الأمور حقائق و العقل لا يحيل شيئاً منها ، فوجب إبقاؤها على حقائقها . و سيأتي تفصيلها بعون الله تعالى .