باب ما ذكر من أن ابن صياد : الدجال و اسمه صاف و يكنى أبا يوسف و سبب خروجه و صفة أبويه و أنه على دين اليهود
 
البزار عن محمد بن المنكدر قال : رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صياد : الدجال فقلت له : أتحلف على ذلك ! قال : إني سمعت عمر يحلف بالله على ذلك عند النبي صلى الله عليه و سلم فلم ينكر النبي صلى الله عليه و سلم و أخرجه أبو داود في سننه .
و عن نافع قال : كان ابن عمر يقول : و الله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد أخرجه أبو داود أيضاً و إسناده صحيح .
مسلم عن أبي سعيد الخدري قال : خرجنا حجاجاً أو عماراً و معنا ابن صياد قال فنزلنا منزلاً فتفرق الناس و بقيت أنا و هو فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يقال عليه قال : و جاء بمتاعه فوضعه على متاعي فقلت : إن الحر شديد فلو وضعته تحت تلك الشجرة قال ففعل فرفعت لنا غنم فانطلق بعس فقال : اشرب أبا سعيد فقلت : إن الحر شديد و اللبن حار ما بي إلا أني أكره أن أشرب عن يده أو قال : آخذه عن يده فقال : أبا سعيد من خفي عليه حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ما خفي عليكم مشعر الأنصار ألست من أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ! أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هو كافر و أنا مسلم ، أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يدخل المدينة و لا مكة فقد أقبلت من المدينة و أنا مكة ! و في رواية : و قد حججت قال أبو سعيد : حتى كدت أني أعذره ثم قال : أما و الله إني لأعرفه و أعرف مولده و أين هو الآن . قال : قلت له : تباً لك سائر اليوم و في رواية : قال أبو سعيد و قيل له أيسرك أنك ذاك الرجل أي الدجال قال : فقال لو عرض علي ما كرهت .
و عن ابن عمر قال : لقيت ابن صياد مرتين ، فقلت لبعضهم ، هل تحدثون أنه هو ؟ قال : لا و الله . قال : قلت كذبتني و الله لقد أخبرني بعضكم أنه لن يموت حتى يكون أكثركم مالاً و ولداً ، فكذلك هو زعموا اليوم ، قال : فتحدثنا ثم فارقته قال فلقيته لقية أخرى و قد نفرت عينه قال : فقلت متى فعلت عينك ما أرى ؟ قال : لا أدري . قال : قلت : لا تدري و هي في رأسك . قال : إن شاء الله خلقها في عصاك هذه قال : فنخر كأشد نخير حمار سمعت قال : فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت ، و أما أنا فو الله ما شعرت قال : و جاء حتى دخل على أم المؤمنين فحدثها فقالت ما تريد إليه ألم تعلم أنه قد قال إن أول ما يبعثه على الناس غضبه يغضبه ، و عنه قال : انطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبي بن كعب إلى النخل التي فيها ابن صيد حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم النخل طفق يتقي بجذوع النخل و هو يحتل أن يسمع من ابن صياد شيئاً قبل أن يراه ابن صياد فرآه رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو مضطجع على فراش في قطيفة له فيها زمزمة ، فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يتقى بجذوع النخل فقالت لابن صياد : يا صاف و هم اسم ابن صياد هذا محمد فثار ابن صياد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو تركته بين .
و في رواية : ثم قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني قد خبأت لك خبثاً فقال ابن صياد : هو الدخ ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اخسأ فلن تعدو قدرك ، فقال عمر بن الخطاب : ذرني يا رسول الله أضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن يكنه فلن تسلط عليه و إن لم يكنه فلا خير في قتله أبو داود عن جابر بن عبد الله قال : فقدنا ابن صياد يوم الحسرة .
الترمذي عن أبي بكرة قال : قال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم : يمكث أبو الدجال و أمه ثلاثين عاماً لا يولد لهما ولد ، ثم يولد لهما ولد أعور أضر شيء و أقله منفعة تنام عينه و لا ينام قلبه ، ثم نعت لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أبويه فقال : أبوه طوال ضرب اللحم كأن أنفه منقار و أمه امرأة فرضاخية طويلة اليدين ، قال أبو بكر : فسمعنا بمولود في اليهود بالمدينة فذهبت أنا و الزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه ، فإذا نعت رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهما فقلنا : هل لكما ولد ؟ فقالا : مكثنا ثلاثين عاماً لا يولد لنا ولد ثم لنا غلام أعور أضر شيء و أقله منفعة تنام عيناه و لا ينام قلبه ، قال : فخرجنا من عندهما ، فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة و له همهمة فكشف عن رأسه فقال : ما قلتما ؟ قلنا : و هل سمعت ما قلنا ؟ قال : نعم تنام عيناي و لا ينام قلبي . قال : حديث حسن غريب روى نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة .
قلت : خرجه أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد عن عبد الله بن أبي بكرة عن أبيه .
و روي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه و سلم الحديث بطوله . و في آخره : فأخبرني عن الدجال أمن ولد آدم هو أم من ولد إبليس ؟ قال : هو من ولد آدم لا أنه من ولد إبليس و أنه على دينكم معشر اليهود ، و ذكر الحديث .
و قيل : إنه لم يولد بعد . و سيولد في آخر الزمان و الأول أصح لما ذكرنا ، و بالله توفيقنا .
و سيأتي لهذا الباب مزيد بيان في أن الدجال ابن صياد ، و الله أعلم .
فصل في اختلاف الناس في ابن صياد
قال أبو سليمان الخطابي : و قد اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافاً كثيراً و أشكل أمره حتى قيل فيه كل قول و قد يسأل عن هذا فيقال : كيف يقارن رسول الله صلى الله عليه و سلم من يدعى النبوة كاذباً و يتركه بالمدينة يساكنه في داره و يجاوره فيها و ما وجه امتحانه إياه بما خبأ له من آية الدخان ، و قوله بعد ذلك : اخسأ فلن تعدو قدرك .
قال أبو سليمان و الذي عندي أن هذه القضية إنما جرت معه أيام مهادنة رسول الله صلى الله عليه و سلم اليهود و حلفاءهم ، و ذلك أنه بعد مقدمه المدينة كتب بينه و بينهم كتاباً و صالحهم فيه على أن لا يهاجروا و أن يتركوا على أمرهم ، و كان ابن صياد منهم أو دخيلاً في جملتهم و كان يبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خبره و ما يدعيه من الكهانة و يتعاطاه من الغيب ، فامتحنوه بذلك ليروا آية أمره فلما كلمه علم أنه معطل و أنه من جملة السحرة و الكهنة يأتيه ربيب من الجنة أو يتعاهده شيطان فيلقى على لسانه بعض ما يتكلم به ، فلما سمع منه قول الدخ زجره و قال : اخسأ و لن تعدو قدرك يريد أن ذلك شيء ألقاه إليه الشيطان ، و أجراه على لسانه ، و ليس ذلك من قبل الوحي إذ لم يكن له قدر الأنبياء الذين يوحى إليهم علم الغيب و لا درجة الأولياء الذين يلهمون العلم و يصيبون بنور قلوبهم الحق ، و إنما كانت له تارات يصيب في بعضها و يخطئ في بعض و ذلك معنى قوله : يأتي صادق و كاذب . فقال له عند ذلك خلط عليك .
و الحكمة في أمره أنه كان فتنة امتحن الله بها عباده المؤمنين ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة ، و قد امتحن الله قوم موسى في زمانه بالعجل فافتتن به قوم و هلكوا و نجا من هداه الله و عصمه منهم ، و قد اختلف الروايات في أمر ابن صياد في ما كان من شأنه بعد كبره ، فروي أنه تاب عن ذلك القول ، ثم إنه مات بالمدينة و أنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس و قيل لهم اشهدوا . قال الشيخ : الصحيح خلاف هذا لحلف جابر و عمر أن ابن صياد الدجال . و روي أن أبا ذر كان يقول هو الدجال ، و روي ذلك عن ابن عمر ، و قال ابن جابر فقدناه يوم الحرة هذا و ما كان مثله يخالف رواية من روى أنه مات بالمدينة ، و الله أعلم .
و سيأتي لهذا الباب مزيد بيان في أن الدجال ابن صياد عند كلامنا على خبر الجساسة إن شاء الله تعالى .