باب ذكر الدابة و صفتها و متى تخرج و من أين تخرج و كم لها من خرجة و صفة خروجها و ما معها إذا خرجت و حديث الجساسة و ما فيها من ذكر الدجال قال الله تعالى : و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم
 
و ذكر أبو بكر البزار قال : حدثنا عبد الله بن يوسف : حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز ، عن موسى بن عبيدة ، عن صفوان بن سليم ، عن ابن لعبد الله بن مسعود ، عن أبيه رضي الله عنه قال : أكثروا من زيادة هذا البيت من قبل أن برفع و ينسى الناس مكانه ، و أكثروا من تلاوة القرآن من قبل أن يرفع . قالوا يا أبا عبد الرحمن : هذه
المصاحف ترفع فكيف بما في صدور الرجال ؟ قال : يصبحون فيقولون : قد كنا نتكلم بكلام و نقول قولاً فيرجعون إلى شعر الجاهلية و أحاديث الجاهلية و ذلك حين يقع القول عليهم .
قال العلماء : معنى وقع القول عليهم : أي وجب الوعيد عليهم لتماديهم في العصيان و العقوق و الطغيان و إعراضهم من آيات الله و تركهم تدبرها و النزول على حكمها ، و انتهابهم في المعاصي إلى ما لا ينجع معه فيهم موعظة و لا يصرفهم عن غيهم تذكرة يقول عز من قائل ـ فإذا صاروا كذاك : أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلم أي دابة تعقل و تنطلق ـ و ذلك و الله أعلم ليقع لهم العلم بأنه آية من قبل الله تعالى ضرورة فإن الدواب في العادة لا كلام لها و لا عقل .
ابن ماجه ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال ذهب بي رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى موضع البادية قريب من مكة ، فإذا أرض يابسة حولها رمل . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تخرج الدابة من هذا الموضع فإذا فتر في شبر قال ابن بريدة : فحججت بعد ذلك بسنتين فأرانا عصا له فإذا هو بعصاي هذا و كذا الفتر ما بين السبابة و الإبهام إذا فتحتها قاله الجوهري .
و خرج ابن ماجه أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : تخرج الدابة و معها خاتم سليمان بن داود ، و عصا موسى بن عمران ، فتجلو وجه المؤمن بالعصا و تختم أنف الكافر بالخاتم حتى إن أهل الخوان ليجتمعون فتقول هذا يا مؤمن و تقول هذا يا كافر . و أخرجه الترمذي و قال : حديث حسن .
و ذكر أبو داود الطيالسي في مسنده عن حذيفة قال ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم الدابة فقال : لها ثلاث خرجات من الدهر : فتخرج في أقصى البادية و لا يدخل ذكرها القرية مكة ، ثم تكمن زماناً طويلاً ، ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك فيفشو ذكرها في البادية و يدخل ذكرها القرية يعني مكة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة خيرها و أكرمها على المسجد الحرام لن تدعهم إلا و هي ترغو بين الركن و المقام تنفض عن رأسها التراب فارفض الناس منها شتى و معاً ، و تثبت عصابة من المؤمنين و عرفوا أنهم لن يعجزوا الله فبدأت بهم فجلت وجوههم حتى جعلتها كالكواكب الدري و ولت في الأرض لا يدركها طالب و لا ينجو منها هارب ، حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه ، فتقول له يا فلان : الآن تصلي فتقبل عليه فتسمه في وجهه ثم تنطلق و يشترك الناس في الأموال و يصطحبون في الأمصار يعرف المؤمن من الكافر حتى إن المؤمن يقول : يا كافر اقض حقي و حتى إن الكافر يقول يا مؤمن اقض حقي و قد قيل : إنها تسم وجوه الفريقين بالنفخ فتنقش في وجه المؤمن مؤمن و في وجه الكافر كافر .
قال المؤلف رحمه الله : و لا يبعد أن تظهر السمة و تتبين بالنفخ فتجمع عليه الأمرين و على هذا لا تعارض و الله أعلم .
و ذكر البغوي أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، حدثنا علي بن الجعد ، عن فضيل بن مرزوق الرقاشي الأعز : و سئل عنه يحيى بن معين فقال : ثقة .
عن عطية العوفي عن ابن عمر قال : تخرج الدابة من صدع في الكعبة كجري الفرس ثلاثة أيام لا يخرج ثلثها .
و ذكر الميانشي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : دابة الأرض تخرج من جياد فيبلغ صدرها الركن و لم يخرج ذنبها بعد و هي دابة ذات وبر و قوائم .
فصل : هذه الأحاديث و ما تقدم من ذكر العلماء في الدابة و يأتي . يرد قول من قال من المفسرين المتأخرين : إن الدابة إنما هي إنسان متكلم يناظر أهل البدع و الكفر و يجادلهم ليتقطعوا ، فيهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة . قال شيخنا أبو العباس : و على هذا لا يكون فيها آية خاصة خارقة للعادة و لا يكون من جملة العشر آيات المذكورة في الحديث ، لأن وجود المناظرين و المحتجين على أهل البدع كثير فلا آية خاصة ينبغي أن يذكر من العشر .
قلت : فساد ما قاله هذا المتأخر واضح و أقوال المفسرين بخلافه .
و روى من حديث هشام بن يوسف القاضي أبي عبد الرحمن الصنعاني ، عن رباح بن عبيد الله بن عمر ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بئس الشعب جياد قالوا : و فيم ذلك يا رسول الله ؟ قال : تخرج منه الدابة فتصرخ ثلاث صرخات فيسمعها من بين الخافقين لم يتابع رباح على هذا أخرج الحديث أبو أحمد بن عدي الجرجاني رحمه الله.
و عن عمرو بن العاص قال : تخرج الدابة من مكة من شجرة و ذلك في أيام الحج فيبلغ رأسها السحاب و ما خرجت رجلاها بعد من التراب ذكره القتبي في عيون الأخبار له .
و أصح أقوال المفسرين بخلاف ما قال : و أنها خلق عظيم يخرج من صدع من الصفا لا يفوتها أحد فتسم المؤمن فينير وجهه و تكتب بين عينيه : مؤمن ، و تسم الكافر فيسود وجهه و تكتب بين عينه كافر .
و قال عبد الله بن عمر : تخرج الدابة من جبل الصفا بمكة ينصدع فتخرج منه و قال عبد الله بن عمرو و نحوه ، و قال : لو شئت أن أضع قدمي على موضع خروجها لفعلت . و روي عن قتادة أنها تخرج من تهامة . و روي أنها تخرج من مسجد الكوفة من حيث نار تنور نوح ، و قيل : من أرض الطائف . و روي عن ابن عمر أنها على خلقة الآدميين و هي في السحاب و قوائمها في الأرض .
و روي عن ابن الزبير : أنها جمعت من خلق كل حيوان . فرأسها رأس ثور ، و عينها عين خنزير ، و أذنها أذن فيل ، و قرنها قرن أيل ، و عنقها عنق نعامة ، و صدرها صدر أسد ، و لونها لون نمر ، و خاصرتها خاصرة هر ، و ذنبها ذنب كبش
، و قوائهما قوائم بعير . بين كل مفصل و مفصل اثنا عشر ذراعاً . ذكره الثعلبي . و الماوردي و غيرهما .
و حكى النقاش عن ابن عباس : أنها الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعاها العقاب حتى أرادت قريش بناء الكعبة ، و يروى أنها دابة مزعبة شعراً ذات قوائم طولها ستون ذراعاً . و يقال إنها الجساسة في حديث فاطمة بنت قيس الحديث الطويل . و خرجه مسلم و ذكره الترمذي و أبو داود مختصراً و السياق لمسلم و فيه ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتدرون لم جمعتكم ؟ قالوا : الله و رسوله أعلم قال : إني و الله ما جمعتكم لرغبة و لا لرهبة و لكنني جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فبايع و أسلم و حدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال . حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم و جذام ، فلعب بهم الموج شهراً في البحر ثم أرفأوا إلى جزيرة في البحر حيث مغرب الشمس ، قال : فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدري ما قبله من دبره من كثرة الشعر .
و قال الترمذي : إن ناساً من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر فجالت بهم حتى قذفتهم في جزيرة من جزائر البحر ، فإذا هم بداية لباسة ناشرة شعرها ، فقالوا : من أنت ؟ قالت : أنا الجساسة و ذكر الحديث . راجع سياق مسلم فقالوا : ويلك ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة . قالوا و ما الجساسة ؟ قالت : أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق . قال لما سمعت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة . قال : فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير فإذا هو أعظم إنسان رأيناه خلقاً و أشد وثاقاً مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد . و قال الترمذي : فإذا رجل موثق بسلسلة .
قال أبو داود : فإذا الرجل يجر شعره مسلسلاً في الأغلال ينزو فيها بين السماء و الأرض . قلنا : ويلك ما أنت : قال : قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم . قالوا : نحن ناس من العرب ركبنا سفينة بحرية فصادفنا البحر قد اغتلم فلعب الموج بنا شهراً ، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها ، فدخلنا الجزيرة فلقينا دابة أهلب كثيرة الشعر لا ندري ما قبله من دبره من كثرة الشعر . فقلنا : ويلك ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة فقلنا و ما الجساسة ؟ قالت : اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق فأقبلنا إليك سراعا و فزعنا منها و ما نأمن أن تكون شيطانة . فقال : أخبروني عن نخل بيسان.
و قال الترمذي : الذي بين الأردن و فلسطين . قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : أسألكم عن نخلها هل تثمر ؟ قلنا له : نعم . قال : أما أنها يوشك أن لا تثمر . قال : أخبروني عن بحيرة طبرية . قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : هل فيها ماء ؟ قالوا : هي كثيرة الماء أما أن ماؤها يوشك أن يذهب . قال : أخبروني عن عين زغر . قالوا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال هل في العين ماء و هل يزرع أهلها بماء العين ؟ قلنا : نعم هي كثيرة الماء و أهلها يزرعون من مائها . قال أخبرني عن نبي الأميين ما فعل ؟ قالوا : قد خرج من مكة و نزل يثرب . قال : أقاتله العرب ؟ قلنا : نعم . قال : كيف صنع بهم فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب و أطاعوه . قال لهم قد كان ذلك ؟ قلنا : نعم قال أما إن ذلك هو خير لهم أن يطيعوه و إني مخبركم عني أنا المسيخ الدجال . و إني أوشك أن يؤذن لي بالخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة و طيبة هما محرمتان علي كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف مصلتا يصدني عنها و أن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها .
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و طعن بمخصرته في المنبر هذه طيبة يعني المدينة ألا هل كنت حدثتكم ذلك ؟ فقال الناس : نعم . قال : فإنه أعجبني حديث تميم الداري فإنه وافق الذي كنت حدثتكم عنه و عن المدينة و مكة ، إلا أنه في بحر الشام و بحر اليمن لا بل من قبل المشرق و ما هو من قبل المشرق ، و أومأ بيده إلى المشرق قال : حفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و قد خرج ابن ماجه حديث فاطمة بنت قيس : قالت قام رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم و صعد المنبر و كان لا يصعد عليه مثل ذلك اليوم إلا يوم الجمعة ، فاشتد ذلك على الناس فمن بين قائم و جالس فأشار إليهم بيده أن اقعدوا ، فو الله ما قمت مقامي إلا لأمر ينفعكم لا رغبة و لا رهبة ، و لكن تميم الداري أتاني فأخبرني خبراً منعني القيلولة من الفرح و قرة العين ، فأحببت أن أنشر عليكم فرح نبيكم صلى الله عليه و سلم إلا أن ابن عم لتميم الداري أخبرني أن الريح ألجأتهم إلى جزيرة لا يعرفونها ، فقعدوا في قوارب السفينة فخرجوا بها فإذا هم بشيء أهدب أسود كثير الشعر . قالوا لها : ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة . قالوا : أخبرينا . قالت : ما أنا مخبرتكم شيئاً و لا سائلكتم ، و ليكن هذا الدير قد رهقتموه فائتوه فإن فيه رجلا بالأشواق إلى أن تخبروه و يخبركم فأتوه فدخلوه عليه ، فإذا هم بشيخ موثق شديد الوثاق مظهر الحزن شديد التشكي قال لهم : من أين ؟ فقالوا : من الشام . فقال : ما فعلت العرب ؟ قالوا : نحن قوم من العرب عم تسأل ؟ قال : ما فعل الرجل الذي خرج فيكم ؟ قالوا : خيراً أتى قوماً فأظهره الله عليهم ، فأمرهم اليوم جميع إلههم واحد و دينهم واحد و نبيهم واحد . قال : ما فعلت عين زغر ؟ قالوا : خيرا يسقون منها لزروعهم و يستقون منها لشعبهم . قال : ما فعل نخل بين عمان و بيسان ؟ قالوا : يطعم ثمره كل عام . قال : ما فعلت بحيرة الطبرية ؟ قالوا تدفق بجنباتها من كثرة الماء . قال : فزفر ثلاث زفرات ثم قال : لو انفلت من وثاقي هذا لم أدع أرضاً إلا وطئتها برجلي هاتين إلا طيبة ليس لي عليها سبيل .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : إلى هذا انتهى وحيى هذه طيبة و الذي نفسي بيده ما فيها طريق ضيق و لا واسع و لا سهل و لا جبل إلا و عليه ملك شاهر سيفه إلى يوم القيامة .
قال المؤلف رحمه الله : هذا حديث صحيح ، و قد خرجه مسلم و الترمذي و أبو داود و غيرهم رضي الله عنهم .
و قد قيل : إن الدابة التي تخرج هي الفصيل الذي كان لناقة صالح عليه السلام ، فلما قتلت الناقة هرب الفصيل بنفسه فانفتح له حجر فدخل فيه ثم انطبق عليه ، فهو فيه إلى وقت خروجه حتى يخرج بإذن الله تعالى .
قلت : و يدل على هذا القول حديث حذيفة المذكور في هذا الباب و فيه : و هي ترغو و الرغال إنما هو للإبل و الله أعلم .
و لقد أحسن من قال :
و اذكر خروج فعيل ناقة صالح يسم الورى بالكفر و الإيمان
فصل : و قد استدل من قال من العلماء : إن الدجال ليس ابن صياد بحديث الجساسة و ما كان في معناه ، و الصحيح أن ابن صياد هو الدجال بدلالة ما تقدم و ما يبعد أن يكون بالجزيرة ذلك الوقت ، و يكون بين أظهر الصحابة في وقت آخر إلى أن فقدوه يوم الحرة ، و في كتاب أبي داود في خبر الجساسة من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : شهد جابر أنه هو ابن صياد قلت فإنه قد مات قال : و إن مات . قلت : فإنه قد أسلم قال و إن أسلم . قلت : فإنه قد دخل المدينة . قال : و إن دخل المدينة .
و ذكر سيف بن عمر في كتاب الفتوح و الردة : و لما نزل أبو سبرة في الناس على السوس و أحاط المسلمون بها و عليهم الشهربان أخو الهرمزان ناوشوهم القتال . كل ذلك يصيب أهل السوس من المسلمين . فأشرف عليهم يوما الرهبان و القسيسيون فقالوا : يا معشر العرب إن مما عهد علماؤنا و أوائلنا أنه لا يفتح السوس إلا ال أو قوم فيهم الدجال . فإن كان الدجال فيكم فستفتحونها و إن لم يكن فيكم فستفتحونها و إن لم يكن فيكم فلا تعنوا أنفسكم بالحصار . قال وصاف ابن صياد يومئذ مع النعمان في جند فأتى باب السوس غضبان فدقه برجله و قال : انفتح فطار فتقطعت السلاسل و تكسرت الأغلاق و تفتحت الأبواب و دخل المسلمون ، و قصته مع أبي سعيد ، و قوله : و الله إني لأعرفه و أعرف مولده و أين هو الآن . و قال الترمذي : و أين هو الساعة من الأرض و أعرف والده كالنص في أنه هو و احتجاجه بأنه مسلم و ولد له و دخل المدينة و هو يريد مكة تلبس منه ، و أنه سيكفر إذا خرج ، و حينئذ لا يولد له و لا يدخل مكة و المدينة ، و الله أعلم .
و قوله : ارفأوا : أي الجأوا إلى جزيرة لجأوا مرفأ السفينة حيث ترسي ، يقال : أرفأت السفينة إذا قربتها من الشط ، و ذلك الموضع مرفأ ، و أرفأت إليه لجأت إليه ، و أقرب السفينة هي القوارب الصغار يتصرف بها ركاب السفينة و الواحد قارب على غير قياس .
قال الخطابي و الماذري : و المهلب : الشعر الغليظ ، و قال : أهلب على معنى الحبوان أو الشخص و لو راعى اللفظ لقال هلبا كأحمر و حمر . و الأهلب أيضاً عند بعض أهل اللغة : الذي لا شعر عليه و هو من الأضداد و استفهامهم منها : ظناً منهم أنها ممن لا تعقل ، فلما كلمتهم ، فرقوا : أي فزعوا . و اغتلام البحر : هيجانه و تلاطم أمواجه و بيسان و زغر : موضعان بالشام بين الأردن و فلسطين . كما في حديث الترمذي .
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية : كانت بيسان مدينة و فيها سوق كبيرة و عين تسمى عين فلوس يسقى منها ، و بحيرة طبرية هي بحيرة عظيمة طولها عشرة أميال و عرضها ستة أميال و موجها في سور قلعتها و هي عميقة تجري فيها السفن و يصاد منها السمك و ماؤها حلو فرات ، و بين بحيرة طبرية و بيت المقدس نحو من مائة ميل و هي من الأردن و لزمتها هي لصغيرة بحرة و لا بحر ، لأن البحر مذكر ، و تصغيره بحيرة ، و عين زغر بضم الزاي و فتح الغين و امتناع صرفه للعلمية و العدل لأنه معدول عن زاغر كعمر معدول عن عامر ، و زعم الكلبي أن زغر اسم امرأة نسبت هذه العين إليها ، فإن كان ما قاله حقاً فلأن هذه المرأة استنبطتها و اتخذت أرضها داراً لها . فنسبت إليها . ذكره ابن دحية في كتاب البشارات و الإنذارات له من تأليفه .
و قوله عليه الصلاة و السلام : إلا أنه في بحر الشام أو بحر اليمن . شك أو ظن منه عليه الصلاة و السلام أو قصد على الإبهام على السامع ، ثم نفى ذلك و أضرب عنه بالتحقيق فقال : لا بل من قبل المشرق ، ثم أكد ذلك بما الزائدة وبالتكرار اللفظي فما زائدة لا نافية ، فاعلم ذلك .