مثل الشيخ و بنيه الثلاثة
 
قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف، وهو رأس البراهمة: اضرب لنا مثلاً لمتحابين يقطع بينهما الكذوب المحتال، حتى يحملهما على العداوة والبغضاء. قال بيدبا: إذا ابتلي المتحابان بأن يدخل بينهما الكذوب المحتال، لم يلبثا أن يتقاطعا ويتدابرا. ومن أمثال ذلك أنه كان بأرض دستاوند رجلٌ شيخٌ وكان له ثلاثة بنين. فلما بلغوا أشدهم أسرفوا في مال أبيهم؛ ولم يكونوا احترفوا حرفةً يكسبون لأنفسهم بها خيراً. فلامهم أبوهم؛ ووعظهم على سوء فعلهم؛ وكان من قوله لهم: يا بني إن صاحب الدنيا يطلب ثلاثة أمور لن يدركها إلا بأربعة أشياء: أما الثلاثة التي يطلب، فالسعة في الرزق والمنزلة في الناس والزاد للآخرة؛ وأما الأربعة التي يحتاج إليها في درك هذه الثلاثة، فاكتساب المال من أحسن وجه يكون، ثم حسن القيام على ما اكتسب منه، ثم استثماره، ثم إنفاقه فيما يصلح المعيشة ويرضي الأهل والإخوان، فيعود عليه نفعه في الآخرة. فمن ضيع شيئاً من هذه الأحوال لم يدرك ما أراد من حاجته: لأنه إن لم يكتسب، لم يكن مالٌ يعيش به؛ وإن هو كان ذا مالٍ واكتسابٍ ثم لم يحسن القيام عليه، أوشك المال أن يفنى ويبقى معدماً؛ وإن هو وضعه ولم يستثمره، لم تنعه قلة الإنفاق من سرعة الذهاب: كالكحل الذي لا يؤخذ منه إلا غبار الميل ثم هو مع ذلك سريعٌ فناؤه. وإن أنفقه في غير وجهه، ووضعه في غير موضعه، وأخطأ في مواضع استحقاقه، صار بمنزلة الفقير الذي لا مال له؛ ثم لا يمنع ذلك ماله من التلف بالحوادث والعلل التي تجري عليه؛ كمحبس الماء الذي لا تزال المياه تنصب فيه، فإن لم يكن له مخرجٌ ومفيضٌ ومتنفسٌ يخرج الماء منه بقدر ما ينبغي، خرب وسال ونز من نواحٍ كثيرةٍ، وربما انبثق البثق العظيم فذهب الماء ضياعاً. ثم أنبني الشيخ اتعظوا بقول أبيهم وأخذوا به وعلموا أن فيه الخير وعولوا عليه؛ فانطلق أكبرهم نحو أرضٍ يقال لها ميون؛ فأتى في طريقه على مكانٍ فيه وحلٌ كثيرٌ؛ وكان معه عجلةٌ يجرها ثوران يقال لأحدهما شتربة وللآخر بندبة، فوحل شتربة في ذلك المكان، فعالجه الرجل وأصحابه حتى بلغ منهم الجهد، فلم يقدروا على إخراجه؛ فذهب الرجل وخلف عنده رجلاً يشارفه: لعل الوحل ينشف فيتبعه بالثور. فلما بات الرجل بذلك المكان، تبرم به واستوحش؛ فترك الثور والتحق بصاحبه، فأخبره أن الثور قد مات؛ وقال له: إن الإنسان إذا انقضت مدته وحانت منيته فهو وإن اجتهد في التوقي من الأمور التي يخاف فيها على نفسه الهلاك لم يغن ذلك عنه شيئاً؛ وربما عاد اجتهاده في توقيه وحذره وبالاً عليه .