مثل الرجل الهارب من الذئب و اللصوص
 

كالذي قيل: إن رجلاً سلك مفازةً فيها خوفٌ من السباع؛ وكان الرجل خبيراً بوعث تلك الأرض وخوفها؛ فلما سار غير بعيد اعترض له ذئبٌ من أحد الذئاب وأضراها؛ فلما رأى الرجل أن الذئب قاصد نحوه خاف منه، ونظر يميناً وشمالاً ليجد موضعاً يتحرز فيه من الذئب فلم ير إلا قريةً خلف واد؛ ورأى الذئب قد أدركه، فألقى نفسه في الماء، وهو لا يحسن السباحة، وكاد يغرق، لولا أن بصر به قومٌ من أهل القرية؛ فتواقعوا لإخراجه فأخرجوه، وقد أشرف على الهلاك؛ فلما حصل الرجل عندهم وأمن على نفسه من غائلة الذئب رأى على عدوة الوادي بيتاً مفرداً؛ فقال: أدخل هذا البيت فأستريح فيه. فلما دخله وجد جماعةً من اللصوص قد قطعوا الطريق على رجلٍ من التجار. وهم يقتسمون ماله؛ ويريدون قتله؛ فلما رأى الرجل ذلك خاف على نفسه ومضى نحو القرية؛ فأسند ظهره إلى حائط من حيطانها ليستريح مما حل به من الهول والإعياء، إذ سقط الحائط عليه فمات. قال التاجر: صدقت؛ قد بلغني هذا الحديث. وأما الثور فإنه خلص من مكانه وانبعث. فلم يزل في مرجٍ مخصبٍ كثير الماء والكلأ؛ فلما سمن وأمن جعل يخور ويرفع صوته بالخوار. وكان قريباً منه أجمةٌ فيها أسدٌ عظيمٌ؛ وهو ملك تلك الناحية، ومعه سباعٌ كثيرةٌ وذئابٌ وبنات آوى وثعالب وفودٌ ونمورٌ؛ وكان هذا الأسد منفرداً برأيه دون أخذٍ برأي أحدٍ من أصحابه. فلما سمع خوار الثور، ولم يكن رأى ثوراُ قط، ولا سمع خواره؛ لأنه كان مقيماً مكانه لا يبرح ولا ينشط؛ بل يؤتى برزقه كل يومٍ على يد جنده. وكان فيمن معه من السباع ابنا آوى يقال لأحدهما كليلة وللآخر دمنة؛ وكانا ذوي دهاء وعلمٍ وأدبٍ. فقال دمنة لأخيه كليلة: يا أخي ما شأن الأسد مقيماً مكانه لا يبرح ولا ينشط? قال له كليلة: ما شأنك أنت والمسألة عن هذا? نحن على باب ملكنا آخذين بما أحب وتاركين لما يكره؛ ولسنا من أهل المرتبة التي يتناول أهلها كلام الملوك والنظر في أمورهم. فأمسك عن هذا، واعلم أنه من تكلف من القول والفعل ما ليس من شأنه أصابه ما أصاب القرد من النجار. قال دمنة: وكيف كان ذلك?