مثل العلجوم و السرطان
 
قال ابن آوى: زعموا أن علجوماً عشّش في أجمةٍ كبيرة السمك؛ فعاش بها ما عاش؛ ثم هرم فلم يستطع صيداً؛ فأصابه جوعٌ وجهدٌ شديدٌ؛ فجلس حزيناً يلتمس الحيلة في أمره؛ فمر به سرطانٌ، فرأى حالته وما هو عليه من الكآبة والحزن؛ فدنا منه وقال: مالي أراك أيها الطائر هكذا حزيناً كئيباً? قال العلجوم: وكيف لا أحزن وقد كنت أعيش من صيد ما ها هنا من السمك? وإني قد رأيت اليوم صيادين قد مرا بهذا المكان؛ فقال أحدهما لصاحبه: إن ها هنا سمكاً كثيراً أفلا نصيده أولاً? فقال الآخر: إني قد رأيت في مكان كذا سمكاً أكثر من هذا السمك، فلنبدأ بذلك، فإذا فرغنا منه جئنا إلى هذا فأفنيناه. وقد علمت أنهما إذا فرغا مما هناك، انتهيا إلى هذه الأجمة فاصطادا ما فيها؛ فإذا كان ذلك فهو هلاكي ونفاذ مدتي. فانطلق السرطان من ساعته إلى جماعة السمك فأخبرهن بذلك؛ فأقبلن إلى العلجوم فاستشرنه؛ وقلن له: إنا أتينا لك لتشير علينا: فإن ذا العقل لا يدع مشاورة عدوه. قال العلجوم: أما مكابرة الصيادين فلا طاقة لي بها؛ ولا أعلم حيلةً إلا المصير إلى غديرٍ قريبٍ من ها هنا، فيه سمكٌ ومياهٌ عظيمةٌ وقصبٌ، فإن استطعن الانتقال إليه، كان فيه صلاحكن وخصبكن. فقلن له: ما يمن علينا بذلك غيرك. فجعل العلجوم يحمل في كل يوم سمكتين حتى ينتهي بهما إلى بعض التلال فيأكلهما؛ حتى إذا كان ذات يوم جاء لأخذ السمكتين؛ فجاءه السرطان؛ فقال له: إني أيضاً قد أشفقت من مكاني هذا واستوحشت منه فاذهب بي إلى ذلك الغدير؛ فاحتمله وطار به، حتى إذا دنا من التل الذي كان يأكل السمك فيه نظر السرطان فرأى عظام السمك مجموعةً هناك؛ فعلم أن العلجوم هو صاحبها؛ وأنه يريد به مثل ذلك. فقال في نفسه: إذا لقي الرجل عدوه في المواطن التي يعلم أنه فيها هالك. سواءٌ قاتل أم لم يقاتل؛ كان حقيقاً أن يقاتل عن نفسه كرماً وحفاظاً ، ثم أهوى بكلبتيه على عنق العلجوم، فعصره فمات؛ وتخلص السرطان إلى جماعة السمك فأخبرهن بذلك. وإنما ضربت لك هذا المثل لتعلم أن بعض الحيلة مهلكة للمحتال ولكني أدلك على أمرٍ، إن أنت قدرت عليه، كان فيه هلاك الأسود من غير أن تهلك به نفسك، وتكون فيه سلامتك. قال الغراب وما ذاك? قال ابن آوى: تنطلق فتبصر في طيرانك: لعلك أن تظفر بشيءٍ من حلي النساء فتخطفه؛ ولا تزال طائراً واقعاً، بحيث لا تفوت العيون، حتى تأتي حجر الأسود فترمي بالحلي عنده. فإذا رأى الناس ذلك أخذوا حليهم وأراحوك من الأسود. فانطلق الغراب محلقا في السماء؛ فوجد امرأةً من بنات العظماء فوق سطح تغتسل؛ وقد وضعت ثيابها وحليها ناحيةً؛ فانقض واختطف من حليها عقداً، وطار به، فتبعه الناس؛ ولم يزل طائراً واقعاً، بحيث يراه كل أحدٍ؛ حتى انتهى الأمر إلى جحر الأسود؛ فألقى العقد عليه، والناس ينظرون إليه. فلما أتوه أخذوا العقد وقتلوا الأسود. وإنما ضربت لك هذا المثل لتعلم أن الحيلة تجرئ مالا تجزئ القوة. قال كليلة: إن الثور لو لم يجتمع مع شدته رأيه لكان كما تقول. ولكن له مع شدته وقوته حسن الرأي والعقل. فماذا تستطيع له? قال دمنة: إن الثور لكما ذكرت في قوته ورأيه، ولكنه مقرٌ لي بالفضل؛ وأنا خليق أن اصرعه كما صرعت الأرنب الأسد. قال كليلة: وكيف كان ذلك?

الموضوع التالي


مثل الأرنب و الأسد

الموضوع السابق


مثل الغراب و الأسود