المعرب و المبني : باب سنة
 

= البيت:
وقد يرد هذا الباب
(وهو باب سنين) معربا بحركات ظاهرة على النون مع لزوم الياء، مثل إعراب " حين " بالضمة رفعا والفتحة نصبا والكسرة جرا، والاعراب بحركات ظاهرة على النون مع لزوم الياء يطرد في كل جمع المذكر وما ألحق به عند قوم من النحاة أو من العرب.

(1) وقد جمع لفظ " أهل " جمع مذكر سالما شذوذا، وذلك كقول الشنفري:
ولي دونكم أهلون:
سيد عملس، وأرقط ذهلول، وعرفاء حبأل

وأشار بقوله وبابه إلى باب سنة وهو كل اسم ثلاثي حذفت لامه وعوض عنها هاء التأنيث ولم يكسر كمائة ومئتين وثبة وثبين وهذا الاستعمال شائع في هذا ونحوه فإن كسر كشفة وشفاه لم يستعمل كذلك إلا شذوذوا كظبة فإنهم كسروه على ظباة وجمعوه أيضا بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا فقالوا ظبون وظبين.
وأشار بقوله:
ومثل حين قد يرد ذا الباب إلى أن سنين (1) ونحوه قد

__________

(1) اعلم أن إعراب سنين وبابه إعراب الجمع بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا هي لغة الحجاز وعلياء قيس.

وأما بعض بني تميم وبني عامر فيجعل الاعراب بحركات على النون ويلتزم الياء في جميع الاحوال، وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله " ومثل حين " وقد تكلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه اللغة، وذلك في قوله يدعو على المشركين من أهل مكة: " اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف " وقد روى هذا الحديث برواية أخرى على لغة عامة العرب: " اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فإما أن يكون عليه الصلاة والسلام قد تكلم باللغتين جميعا مرة بهذه ومرة بتلك، لان الدعاء مقام تكرار للمدعو به، وهذا هو الظاهر، وإما أن يكون قد تكلم بإحدى اللغتين، ورواه الرواة بهما جميعا كل منهم رواه بلغة قبيلته، لان الرواية بالمعنى جائزة عند المحدثين، وعلى هذه اللغة جاء الشاهد رقم 7 الذي رواه الشارح، كما جاء قول جرير:
أرى مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال وقول الشاعر:
ألم نسق الحجيج سلي معدا سنينا ما تعد لنا حسابا وقول الآخر:
سنيني كلها لاقيت حربا أعد مع الصلادمة الذكور ومن العرب من يلزم هذا الباب الواو، ويفتح النون في كل أحواله، فيكون

إعرابه بحركات مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل، ومنهم من يلزمه الواو ويجعل الاعراب بحركات على النون كإعراب زيتون ونحوه، ومنهم من يجري الاعراب الذي =
تلزمه الياء ويجعل الإعراب على النون فتقول هذه سنين ورأيت سنينا ومررت بسنين وإن شئت حذفت التنوين وهو أقل من إثباته واختلف في اطراد هذا والصحيح أنه لا يطرد وأنه مقصور على السماع ومنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف في إحدى الروايتين ومثله قول الشاعر:
دعاني من نجد فإن سنينه   لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا

__________

= ذكرناه أولا في جميع أنواع جمع المذكر وما ألحق به، إجراء له مجرى المفرد، ويتخرج على هذه اللغة قول ذي الاصبع العدواني:
إني أبي أبي ذو محافظة وابن أبي أبي من أبيين ويجوز في هذا البيت أن تخرجه على ما خرج عليه بيت سحيم
(ش 9) الآتي قريبا فتلخص لك من هذا أن في سنين وبابه أربع لغات، وأن في الجمع عامة لغتين.

7 - البيت للصمة بن عبد الله، أحد شعراء عصر الدولة الاموية، وكان الصمة قد هوى ابنة عم له اسمها ريا، فخطبها، فرضي عمه أن يزوجها له على أن يمهرها خمسين من الابل، فذكر ذلك لابيه، فساق عنه تسعة وأربعين، فأبى عمه إلا أن يكملها له خمسين وأبى أبوه أن يكملها، ولج العناد بينهما، فلم ير الصمة بدا من فراقهما جميعا، فرحل إلى الشام، فكان وهو بالشام يحن إلى نجد أحيانا ويذمه أحيانا أخرى، وهذا البيت من قصيدة له في ذلك.

اللغة: " دعاني " أي اتركاني، ويروى في مكانه " ذراتي " وهما بمعنى واحد " نجد " بلاد بعينها، أعلاها تهامة واليمن وأسفلها العراق والشام، و" الشيب " -

بكسر الشين - جمع أشيب، وهو الذي وخط الشيب شعر رأسه، و" المرد " - بضم فسكون - جمع أمرد، وهو من لم ينبت بوجهه شعر.

الاعراب: " دعاني " دعا:
فعل أمر مبني على حذف النون، وألف الاثنين فاعل والنون للوقاية، والياء مفعول به، مبني على الفتح في محل نصب
" من نجد " جار ومجرور متعلق بدعاني " فإن " الفاء للتعليل، إن:
حرف توكيد ونصب
" سنينه " سنين:
اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة - وهو محل الشاهد - وسنين مضاف والضمير =
الشاهد فيه:
إجراء السنين مجرى الحين في الإعراب بالحركات وإلزام النون مع الإضافة .
ونون مجموع وما به التحق   فافتح وقل من بكسره نطق
(1)

__________

العائد إلى نجد مضاف إليه، وجملة " لعبن " من الفعل وفاعله في محل رفع خبر إن " بنا " جار ومجرور متعلق بلعبن " شيبا " حال من الضمير المجرور المحل بالباء في بنا، وجملة " شيبننا " من الفعل وفاعله ومفعوله معطوفة بالواو على جملة لعبن " مردا " حال من المفعول به في قوله شيبننا.

الشاهد فيه:
قوله " فإن سنينه " حيث نصبه بالفتحة الظاهرة، بدليل بقاء النون مع الاضافة إلى الضمير، فجعل هذه النون الزائدة على بنية الكلمة كالنون التي من أصل الكلمة في نحو مسكين وغسلين، ألا ترى أنك تقول:
هذا مسكين، ولقد رأيت رجلا مسكينا، ووقعت عيني على رجل مسكين، وتقول:
هذا الرجل مسكينكم، فتكون حركات الاعراب على النون سواء أضيفت الكلمة أم لم تضف، لان مثلها مثل الميم في غلام والباء في كتاب، ولو أن الشاعر اعتبر هذه النون زائدة مع الياء للدلالة على أن الكلمة جمع مذكر سالم لوجب عليه هنا أن ينصبه بالياء ويحذف النون فيقول

" فإن سنيه " ومثل هذا البيت قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف " والابيات التي أنشدناها (في ص 58) وتقدم لنا ذكر ذلك.

(1) " ونون " مفعول مقدم لا فتح، ونون مضاف و" مجموع " مضاف إليه " وما " الواو عاطفة، ما:
اسم موصول معطوف على مجموع، مبني على السكون في محل جر
" به " جار ومجرور متعلق بالتحق الآتي " التحق " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما، والجملة لا محل لها من الاعراب صلة الموصول " فافتح " الفاء زائدة لتزيين اللفظ، وافتح:
فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت
" وقل " فعل ماض " من " اسم موصول في محل رفع فاعل بقل " بكسره " الجار والمجرور متعلق بنطق، وكسر مضاف والضمير العائد على النون مضاف إليه " نطق " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود ألى من، والجملة
ونون ما ثني والملحق به   بعكس ذاك استعملوه فانتبه
(1)

حق نون الجمع وما ألحق به الفتح وقد تكسر شذوذا ومنه قوله:
عرفنا جعفرا وبني أبيه ... وأنكرنا زعانف آخرين

__________

= لا محل لها من الاعراب صلة الموصول، وتقدير البيت:
افتح نون الاسم المجموع والذي التحق به، وقل من العرب من نطق بهذه النون مسكورة:
أي في حالتي النصب والجر أما في حالة الرفع فلم يسمع كسر هذه النون من أحد منهم.

(1) " ونون " الواو عاطفة، نون:
مبتدأ، ونو مضاف و
" ما " اسم موصول مضاف إليه " ثنى " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة لا محل لها من الاعراب صلة ما " والملحق " معطوف على ما " به " جار ومجرور متعلق بالملحق " بعكس " جار ومجرور متعلق باستعملوه، وعكس مضاف وذا من " ذاك " مضاف إليه، والكاف حرف خطاب " استعملوه "

فعل ماض، والواو فاعل، والهاء مفعول به، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو " نون " في أول البيت " فانتبه " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، يريد أن لغة جمهور العرب جارية على أن ينطقوا بنون المثنى مكسورة، وقليل منهم من ينطق بها مفتوحة.

8 - هذا البيت لجرير بن عطية بن الخطفي، من أبيات خاطب بها فضالة العرني، وقبله قوله:
عرين من عرينة، ليس منا برئت إلى عرينة من عرين المفردات
: " جعفر " اسم رجل من ولد ثعلبة بن يربوع " وبني أبيه " إخوته، وهم عرين وكليب وعبيد " زعانف " جمع زعنفة - بكسر الزاي والنون بينهما عين مهملة ساكنة - وهم الاتباع، وفي القاموس " الزعنفة - بالكسر والفتح - القصير والقصيرة، وجمعه زعانف، وهي أجنحة السمك، وكل جماعة ليس أصلهم واحدا " هـ .

والزعانف أيضا:
أهداب الثوب التي تنوس منه، أي تتحرك، ويقال للئام الناس ورذالهم:
الزعانف.

الاعراب: " عرفنا " فعل وفاعل " جعفرا " مفعوله " وبني " معطوف على جعفر وبني مضاف وأبي من " أبيه " مضاف إليه، وأبي مضاف وضمير الغائب العائد إلى جعفر مضاف إليه " وأنكرنا " الواو حرف عطف، أنكرنا:
فعل وفاعل
" زعانف " =

وقوله:

9 - أكل الدهر حل وارتحال   أما يبقي علي ولا يقيني؟!

وماذا تبتغي الشعراء مني   وقد جاوزت حد الأربعين؟
وليس كسرها لغة خلافا لمن زعم ذلك.

__________

= مفعول به " آخرين " صفة له منصوب بالياء نيابة عن الفتحة لانه جمع مذكر سالم،

وجملة أنكرنا ومعمولاته معطوفة على جملة عرفنا ومعمولاته.

الشاهد فيه:
كسر نون الجمع في قوله " آخرين " بدليل أن القصيدة مكسورة حرف القافية، وقد روينا البيت السابق على بيت الشاهد ليتضح لك ذلك، وأول الكلمة قوله:
أتوعدني وراء بني رياح ؟ كذبت، لتقصرن يداك دوني
9 - هذان البيتان لسحيم بن وثيل الرياحي، من قصيدة له يمدح بها نفسه ويعرض فيها بالابيرد الرياحي ابن عمه، وقبلهما:
عذرت البزل إن هي خاطرتني فما بالي وبال ابني لبون ؟ وبعدهما قوله:
أخو خمسين
(مجتمع) ؟ أشدي ونجذني مداورة الشؤون المفردات: " يبتغي " معناه يطلب، ويروى في مكانه " يدرى " بتشديد الدال المهملة، وهو مضارع ادراه، إذا ختله وخدعه.

المعنى:
يقول:
كيف يطلب الشعراء خديعتي ويطمعون في ختلي وقد بلغت سن التجربة والاختبار التي تمكنني من تقدير الامور ورد كيد الاعداء إلى نحورهم ؟ يريد أنه لا تجوز عليه الحيلة، ولا يمكن لعدوه أن يخدعه.

الاعراب: " أكل " الهمزة للاستفهام، وكل:
ظرف زمان متعلق بمحذوف خبر مقدم، وكل مضاف و
" الدهر " مضاف إليه " حل " مبتدأ مؤخر " وارتحال " معطوف عليه " أما " أصل الهمزة للاستفهام، وما نافية، وأما هنا حرف استفتاح " يبقى " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الدهر " على " جار ومجرور متعلق بيبقى " ولا " الواو عاطفة، ولا:
زائدة لتأكيد النفي
" يقيني " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والنون للوقاية، والياء مفعول به " وماذا " ما:
اسم استفهام مبتدأ.

وذا:
اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع خبر =
وحق نون المثنى والملحق به الكسر وفتحها لغة ومنه قوله:

10على أحوذيين استقلت عشية   فما هي إلا لمحة وتغيب

__________

= " تبتغي " فعل مضارع " الشعراء " فاعله " مني " جار ومجرور متعلق بتبتغي، والجملة من الفعل وفاعله لا محل لها من الاعراب صلة الموصول، والعائد ضمير منصوب بتبتغي، وهو محذوف:
أي تبتغيه
" وقد " الواو حالية، قد:
حرف تحقيق
" جاوزت " فعل وفاعل " حد " مفعول به لجاوز، وحد مضاف و" الاربعين " مضاف إليه، مجرور بالياء المكسور ما قبلها تحقيقا المفتوح ما بعدها تقديرا، وقيل:
مجرور بالكسرة الظاهرة، لانه عومل معاملة حين في جعل الاعراب على النون، وسنوضح ذلك في بيان الاستشهاد بالبيت.

الشاهد فيه:
قوله " الاربعين " حيث وردت الرواية فيه بكسر النون كما رأيت في أبيات القصيدة، فمن العلماء من خرجه على أنه معرب بالحركات الظاهرة على النون على أنه عومل معاملة المفرد من نحو حين ومسكين وغسلين ويقطين، ومنهم من خرجه على أنه جمع مذكر سالم معرب بالياء نيابة عن الكسرة، ولكنه كسر النون، وعليه الشارح هنا.

ونظيره بيت ذي الاصبع العدواني الذي رويناه لك (ص 65) وقول الفرزدق:
ما سد حي ولا ميت مسدهما إلا الخلائف من بعد النبيين
10 - البيت لحميد بن ثور الهلالي الصحابي، أحد الشعراء المجيدين، وكان لا يقاربه شاعر في وصف القطاة، وهو من أبيات قصيدة له يصف فيها القطاة، وأول الابيات التي يصف فيها القطاة قوله:
كما انقبضت كدراء تسقي فراخها بشمظة رفها والمياه شعوب غدت لم تصعد في السماء، وتحتها إذا نظرت أهوية ولهوب فجاءت وما جاء القطا، ثم قلصت بمفحصها، والواردات تنوب

اللغة: " الاحوذيان " مثنى أحوذي، وهو الخفيف السريع، وأراد به هنا جناح القطاة، يصفها بالسرعة والخفة، و" استقلت " ارتفعت وطارت في الهواء، و" العشية " ما بين الزوال إلى المغرب، و" هي " ضمير غائبة تعود إلى القطاة على تقدير مضافين، وأصل الكلام:
فما زمان رؤيتها إلا لمحة وتغيب.

=

وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أن فتح النون في التثنية ككسر نون الجمع في القلة وليس كذلك بل كسرها في الجمع شاذ وفتحها في التثنية لغة كما قدمناه وهل يختص الفتح بالياء أو يكون فيها وفي الألف؟ قولان وظاهر كلام المصنف الثاني.(1)

__________

= المعنى:
يريد أن هذه القطاة قد طارت بجناحين سريعين، فليس يقع نظرك عليها حين تهم بالطيران إلا لحظة يسيرة ثم تغيب عن ناظريك فلا تعود تراها، يقصد أنها شديدة السرعة.

الاعراب: " على أحوذيين " جار ومجرور متعلق باستقلت " استقلت " استقل:
فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على القطاة التي تقدم وصفها
" عشية " ظرف زمان منصوب على الظرفية متعلق باستقلت " فما " الفاء عاطفة، ما:
نافية
" هي " مبتدأ بتقدير مضافين، والاصل:
فما زمان مشاهدتها إلا لمحة وتغيب بعدها
" إلا " أداة استثناء ملغاة لا عمل لها " لمحة " خبر المبتدأ " وتغيب " الواو عاطفة، وتغيب فعل مضارع فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على القطاة، والجملة من الفعل والفاعل معطوفة عآلى جملة المبتدأ والخبر.

الشاهد فيه:
فتح نون المثنى من قوله " أحوذيين " وهي لغة، وليست بضرورة، لان كسرها يأتي معه الوزن ولا يفوت به غرض.

(1) اعلم أنهم اتفقوا على زيادة نون بعد ألف المثنى ويائه وبعد واو الجمع ويائه،

واختلف النحاة في تعليل هذه الزيادة على سبعة أوجه، الاول - وعليه ابن مالك - أنها زيدت دفعا لتوهم الاضافة في " رأيت بنين كرماء " إذ لو قلت " رأيت بني كرماء " لم يدر السامع الكرام هم البنون أم الآباء ؟ فلما جاءت النون علمنا أنك إن قلت " بني كرماء " فقد أردت وصف الآباء بالكرم وأن بني مضاف وكرماء مضاف إليه، وإن قلت " بنين كرماء " فقد أردت وصف الابناء أنفسهم بالكرم وأن كرماء نعت لبنين، وبعدا عن توهم الافراد في " هذان " ونحو " الخوزلان " و" المهتدين "، إذ لولا النون لالتبست الصفة بالمضاف إليه على ما علمت أولا ولالتبس المفرد بالمثنى أو بالجمع، الثاني أنها زيدت عوضا عن الحركة في الاسم المفرد، وعليه الزجاج، والثالث:
أن زيادتها عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وعليه ابن كيسان، وهو الذي يجري على ألسنة المعربين، والرابع:
أنها عوض عن الحركة والتنوين معا، وعليه ابن ولاد والجزولي، =
ومن الفتح مع الألف قول الشاعر:

11 - أعرف منها الجيد والعينانا   ومنخرين أشبها ظبيانا

__________

= والخامس:
أنها عوض عن الحركة والتنوين فيما كان التنوين والحركة في مفرده كمحمد وعلي، وعن الحركة فقط فيما لا تنوين في مفرده كزينب وفاطمة، وعن التنوين فقط فيما لا حركة في مفرده كالقاضي والفتى، وليست عوضا عن شئ منهما فيما لا حركة ولا تنوين في مفرده كالحبلى، وعليه ابن جنى، والسادس:
أنها زيدت فرقا بين نصب المفرد ورفع المثنى، إذ لو حذفت النون من قولك
" عليان " لاشكل عليك أمره، فلم تدر أهو مفرد منصوب أم مثنى مرفوع، وعلى هذا الفراء، والسابع:
أنها نفس التنوين حرك للتخلص من التقاء الساكنين.

ثم المشهور الكثير أن هذه النون مكسورة في المثنى مفتوحة في الجمع، فأما مجرد حركتها فيهما فلاجل التخلص من التقاء الساكنين، وأما المخالفة بينهما فلتميز كل

واحد من الآخر، وأما فتحها في الجمع فلان الجمع ثقيل لدلالته على العدد الكثير والمثنى خفيف، فقصدت المعادلة بينهما، لئلا يجتمع ثقيلان في كلمة، وورد العكس في الموضعين وهو فتحها مع المثنى وكسرها مع الجمع، ضرورة لا لغة، وقيل:
ذلك خاص بحالة الياء فيهما، وقيل لا، بل مع الالف والواو أيضا.

وذكر الشيباني وابن جنى أن من العرب من يضم النون في المثنى، وعلى هذا ينشدون قول الشاعر:
يا أبتا أرقني القذان فالنوم لا تطعمه العينان وهذا إنما يجئ مع الالف، لا مع الياء.

وسمع تشديد نون المثنى في تثنية اسم الاشارة والموصول فقط، وقد قرئ بالتشديد في قوله تعالى: (فذانك برهانان) وقوله: (واللذان يأتيانها) وقوله: (إحدى ابننى هاتين) وقوله سبحانه: (ربنا أرنا اللذين).

11 - البيت لرجل من ضبة كما قال المفضل، وزعم العيني أنه لا يعرف قائله، وقيل:
هو لرؤبة، والصحيح الاول، وهو من رجز أوله:
إن لسلمى عندنا ديوانا يخزي فلانا وابنه فلانا كانت عجوزا عمرت زمانا وهي ترى سيئها إحسانا =
وقد قيل إنه مصنوع
(1) فلا يحتج به.

__________

= اللغة: " الجيد " العنق " منخرين " مثنى منخر، بزنة مسجد، وأصله مكان النخير وهو الصوت المنبعث من الانف، ويستعمل في الانف نفسه لانه مكانه، من باب تسمية الحال باسم محله، كإطلاق لفظ القرية وإرادة سكانها " ظبيان " اسم رجل، وقيل:
مثنى ظبي، قال أبو زيد
" ظبيان:
اسم رجل، أراد أشبها منخرى ظبيان
"، فحذف،

كما قال الله عز وجل: (واسأل القرية) يريد أهل القرية " اه، وتأويل أبي زيد في القرية على أنه مجاز بالحذف، وهو غير التأويل الذي ذكرناه آنفا.

الاعراب: " أعرف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " منها " جار ومجرور متعلق بأعرف " الجيد " مفعول به لاعرف " والعينانا " معطوف على الجيد منصوب بفتحة مقدرة على الالف منع من ظهورها التعذر " ومنخرين " معطوف على الجيد أيضا، منصوب بالياء نيابة عن الفتحة لانه مثنى " أشبها " أشبه:
فعل ماض، وألف الاثنين فاعل
" ظبيانا " مفعول به، منصوب بالفتحة الظاهرة على أنه مفرد كما هو الصحيح، فأما على أنه مثنى فهو منصوب بفتحة مقدرة على الالف كما في قوله " والعينانا " السابق، وذلك على لغة من يلزم المثنى الالف، والجملة من الفعل وفاعله في محل نصب صفة لمنخرين.

الشاهد فيه:
قوله " والعينانا " حيث فتح نون المثنى، وقال جماعة منهم الهروي:
الشاهد فيه في موضعين:
أحدهما ما ذكرنا، وثانيهما قوله
" ظبيانا "، ويتأتى ذلك على أنه تثنية ظبي، وهو فاسد من جهة المعنى، والصواب أنه مفرد، وهو اسم رجل كما قدمنا لك عن أبي زيد، وعليه لا شاهد فيه، وزعم بعضهم أن نون " منخرين " مفتوحة، وأن فيها شاهدا أيضا، فهو نظير قول حميد بن ثور " على أحوذيين " الذي تقدم (ش رقم 10).

(1) حكى ذلك ابن هشام رحمه الله، وشبهة هذا القيل أن الراجز قد جاء بالمثنى بالالف في حاله النصب، وذلك في قوله " والعينانا " وفي قوله " ظبيانا " عند الهروي وجماعة، ثم جاء به بالياء في قوله " منخرين " فجمع بين لغتين من لغات العرب في بيت واحد، وذلك قلما يتفق لعربي، ويرد هذا الكلام شيئان، أولهما:
أن أبا زيد رحمه الله قد روى هذه الابيات، ونسبها لرجل من ضبة، وأبو زيد ثقة ثبت حتى إن