النكرة والمعرفة : ت
 

العاشر:
أن يقع بعد اللام الفارقة، نحو قول الشاعر:
إن وجدت الصديق حقا لاياك، فمرني فلن أزال مطيعا وسيأتي موضع ذكر تفصيله المصنف والشارح.

15 - البيت من قصيدة للفرزدق، يفتخر فيها، ويمدح يزيد بن عبد الملك بن مروان، وقبله:
يا خير حي وقت نعل له قدما وميت بعد رسل الله مقبور إني حلفت، ولم أحلف على فند، فناء بيت من الساعين معمور اللغة
: " الباعث " الذي يبعث الاموات ويحييهم بعد موتهم " الوارث " هو الذي ترجع إليه الاملاك بعد فناء الملاك " ضمنت " - بكسر الميم مخففة - بمعنى تضمنت، أي اشتملت أو بمعنى تكفلت يهم " الدهارير " الزمن الماضي، أو الشدائد، وهو جمع لا واحد له من لفظه.

الاعراب: " يا لباعث " جار ومجرور متعلق بقوله " حلفت " في البيت الذي أنشدناه قبل هذا البيت، والاموات:
يجوز فيه وجهان، أحدهما:
جره بالكسرة الظاهرة على أنه مضاف إليه، والمضاف هو الباعث والوارث على مثال قوله:
يا من رأى عارضا أسر له بين ذراعي وجبهة الاسد وصل أو افصل هاء سلنيه وما   أشبهه في كنته الخلف انتمى
(1)

__________

= وقولهم " قطع الله يد ورجل من قالها " والوجه الثاني:
نصب الاموات بالفتحة الظاهرة على أنه مفعول به
(تنازعه) ؟ الوصفان فأعمل فيه الثاني وحذف ضميره من الاول لكونه فضلة " ضمنت " فعل ماض، والتاء للتأنيث " إياهم " مفعول به تقدم على الفاعل " الارض " فاعل ضمن " في دهر " جار ومجرور متعلق بضمنت، ودهر مضاف و" الدهارير " مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة.

الشاهد فيه:
قوله " ضمنت إياهم " حيث عدل عن وصل الضمير إلى فصله، وذلك خاص بالشعر، ولا يجوز في سعة الكلام، ولو جاء به على ما يستحقه الكلام لقال " قد ضمنتهم الارض .

ومثل هذا البيت قول زياد بن منقذ العدوي التميمي من قصيدة له يقولها في تذكر أهله والحنين إلى وطنه، وكان قد نزل صنعاء فاستوبأها، وكان أهله بنجد في وادي أشى - بزنة المصغر (وانظر 1 / 65 من كتابنا هداية السالك إلى أوضح المسالك): وما أصاحب من قوم فأذكرهم إلا يزيدهم حبا إلي هم فقد جاء بالضمير منفصلا - وهو قوله " هم " في آخر البيت - وكان من حقه أن يجئ به متصلا بالعامل - وهو قوله " يزيد " - ولو جاء به على ما يقتضيه الاستعمال لقال " إلا يزيدونهم حبا إلى .

ومثل ذلك قول طرفة بن العبد البكري:

أصرمت حبل الوصل، بل صرموا يا صاح، بل قطع الوصال هم وكان من حقه أن يقول: " بل قطعوا الوصال " لكنه اضطر ففصل.

(1) " وصل " الواو للاستئناف، صل:
فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت
" أو " حرف عطف دال على التخيير " افصل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وجملة افصل معطوفة على جملة صل " هاء " مفعول تنازعه الفعلان، فأعمل فيه الثاني، وهاء مضاف و" سلنيه " قصد لفظه:
مضاف إليه
" وما " الواو حرف عطف، ما:
اسم موصول معطوف على سلنيه
" أشبهه " أشبه:
فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والهاء مفعول به، والجملة لا محل
كذاك خلتنيه، واتصالا   أختار غيري اختار الانفصالا
(1)

أشار في هذين البيتين إلى المواضع التي يجوز أن يؤتى فيها بالضمير منفصلا مع إمكان أن يؤتى به متصلا فأشار بقوله سلنيه إلى ما يتعدى إلى مفعولين الثاني منهما ليس خبرا في الأصل وهما ضميران نحو الدرهم سلنيه فيجوز لك في هاء سلنيه الاتصال نحو سلنيه والانفصال نحو سلني إياه وكذلك كل فعل أشبهه نحو الدرهم أعطيتكه وأعطيتك إياه.
وظاهر كلام المصنف أنه يجوز في هذه المسألة الانفصال والاتصال على السواء وهو ظاهر كلام أكثر النحويين وظاهر كلام سيبويه أن الاتصال فيها واجب وأن الانفصال مخصوص بالشعر وأشار بقوله:
في كنته الخلف انتمى إلى أنه إذا كان خبر كان وأخواتها ضميرا فإنه يجوز اتصاله وانفصاله واختلف في المختار

منهما فاختار المصنف

__________

= لها صلة ما " في كنته " جار ومجرور متعلق بانتمى " الخلف " مبتدأ " انتمى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخلف، والجملة من انتمى وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، وانتمى معناه انتسب، والمراد أن بين العلماء خلافا في هذه المسألة وأن هذا الخلاف معروف، وكل قول فيه معروف النسبة إلى قائله.

(1) " كذاك " الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والكاف حرف خطاب " خلتنيه " قصد لفظه:
مبتدأ مؤخر
" واتصالا " الواو عاطفة، اتصالا:
مفعول مقدم لاختار
" أختار " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " غيري، غير:
مبتدأ، وغير مضاف والياء التي للمتكلم مضاف إليه
" اختار " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود لغيري، والجملة من اختار وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " الانفصالا " مفعول به لاختار، والالف للاطلاق.
الاتصال نحو كنته واختار سيبويه الانفصال نحو كنت إياه
(1) تقول الصديق كنته وكنت إياه.
وكذلك المختار عند المصنف الاتصال في نحو خلتنيه
(2) وهو كل فعل تعدى إلى مفعولين الثاني منهما خبر في الأصل وهما ضميران ومذهب سيبويه أن المختار في هذا أيضا الانفصال نحو خلتني إياه ومذهب سيبويه أرجح لأنه هو الكثير في لسان العرب على ما حكاه سيبويه عنهم وهو المشافه لهم قال الشاعر:

__________

(1) قد ورد الامران كثيرا في كلام العرب، فمن الانفصال قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
لئن كان إياه لقد حال بعدنا عن العهد، والانسان قد يتغير وقول الآخر:

ليس إياي وإياك، ولا نخشى رقيبا ومن الاتصال قول أبي الاسود الدؤلي يخاطب غلاما له كان يشرب النبيذ فيضطرب شأنه وتسوء حاله:
فإن لا يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها وقول رسول الله صلى عليه وسلم لعمر بن الخطاب في شأن ابن الصياد: " إن يسكنه فلن تسلط عليه، وإلا يكنه فلا خير لك في قتله " ومنه الشاهد رقم 17 الآتي في ص 109.

(2) قد ورد الامران في فصيح الكلام أيضا، فمن الاتصال قوله تعالى: (إذ يريكهم الله في منامك قليلا، ولو أراكهم كثيرا) وقول الشاعر:
بلغت صنع امرئ بر إخالكه إذ لم تزل لا كتساب الحمد معتذرا ومن الانفصال قول الشاعر:
أخي حسبتك إياه، وقد ملئت أرجاء صدرك بالاضغان والاحن

16 - إذا قالت حذام فصدقوها   فإن القول ما قالت حذام

__________

16 - هذا البيت قيل إنه لديسم بن طارق أحد شعراء الجاهلية، وقد جرى مجرى المثل، وصار يضرب لكل من يعتد بكلامه، ويتمسك بمقاله، ولا يلتفت إلى ما يقول غيره، وفي هذا جاء به الشارح، وهو يريد أن سيبويه هو الرجل الذي يعتد بقوله، ويعتبر نقله، لانه هو الذي شافه العرب، وعنهم أخذ، ومن ألسنتهم استمد.

المفردات: " حذام " اسم امرأة، زعم بعض أرباب الحواشي أنها الزباء، وقال:
وقيل غيرها، ونقول:
الذي عليه الادباء أنها زرقاء اليمامة، وهي امرأة من بنات لقمان بن عاد، وكانت ملكة اليمامة، واليمامة اسمها، فسميت البلد باسمها، زعموا أنها

كانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام، وهي التي يشير إليها النابغة الذبياني في قوله:
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت إلى حمام سراع وارد الثمد قالت:
ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد الاعراب: " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " قالت " قال:
فعل ماض، والتاء للتأنيث
" حذام " فاعل قال، مبني على الكسر في محل رفع " فصدقوها " الفاء واقعة في جواب إذا، وصدق:
فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعل، وها:
مفعول به
" فإن " الفاء للعطف، وفيها معنى التعليل، وإن:
حرف توكيد ونصب
" القول " اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة " ما " اسم موصول خبر إن، مبني على السكون في محل رفع " قالت " قال:
فعل ماض، والتاء للتأنيث
" حذام " فاعل قالت، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الاعراب صلة الموصول، والعائد محذوف، أي ما قالته حذام.

التمثيل به:
قد جاء الشارح بهذا البيت وهو يزعم أن مذهب سيبويه أرجح مما ذهب إليه الناظم، وكأنه أراد أن يعرف الحق بأن يكون منسوبا إلى عالم جليل كسيبويه، وهي فكرة لا يجوز للعلماء أن يتمسكوا بها، ثم إن الارجح في المسألة ليس هو ما ذهب إليه سيبويه والجمهور، بل الارجح ما ذهب إليه ابن مالك، والرماني، وابن الطراوة من أن الاتصال أرجح في خبر كان وفي المفعول الثاني من معمولي ظن وأخواتها، وذلك
وقدم الأخص في اتصال   وقدمن ما شئت في انفصال (1)

ضمير المتكلم أخص من ضمير المخاطب وضمير المخاطب أخص من ضمير الغائب فإن اجتمع ضميران منصوبان أحدهما أخص من الآخر فإن كانا متصلين وجب تقديم الأخص منهما فتقول الدرهم أعطيتكه وأعطيتنيه بتقديم الكاف والياء على الهاء لأنهما أخص من الهاء لأن الكاف للمخاطب والياء للمتكلم والهاء للغائب ولا يجوز تقديم الغائب مع الاتصال فلا تقول أعطيتهوك ولا أعطيتهمونى وأجازه قوم ومنه ما رواه ابن الأثير في غريب الحديث من قول عثمان رضي الله عنه أراهمني الباطل شيطانا فإن فصل أحدهما كنت بالخيار فإن شئت قدمت الأخص فقلت الدرهم أعطيتك إياه وأعطيتني إياه وإن شئت قدمت غير الأخص فقلت أعطيته إياك

__________

= من قبل أن الاتصال في البابين أكثر ورودا عن العرب، وقد ورد الاتصال في خبر " كان " في الحديث الذي رويناه لك، وورد الاتصال في المفعول الثاني من باب ظن في القرآن الكريم فيما قد تلونا من الآيات، ولم يرد في القرآن الانفصال في أحد البابين أصلا، وبحسبك أن يكون الاتصال هو الطريق الذي استعمله القرآن الكريم باطراد.

(1) " وقدم " الواو عاطفة، قدم:
فعل أمر مبني على السكون لا محل له من الاعراب، وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت
" الاخص " مفعول به لقدم " في اتصال " جار ومجرور متعلق بقدم " وقدمن " الواو عاطفة، قدم:
فعل أمر، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت
" ما " اسم موصول مفعول به لقدم المؤكد، مبني على السكون في محل نصب " شئت " فعل وفاعل، وجملتهما لا محل لها صلة ما الموصولة، والعائد محذوف، والتقدير:
وقدمن الذي شئنه
" في انفصال " جار ومجرور متعلق بقدمن.
وأعطيته إياي وإليه أشار بقوله وقدمن ما شئت في انفصال وهذا الذي ذكره ليس على إطلاقه بل إنما يجوز تقديم غير الأخص في الانفصال عند أمن اللبس فإن خيف لبس لم يجز فإن قلت زيد أعطيتك إياه
(1) لم يجز تقديم الغائب فلا تقول زيد أعطيته إياك لأنه لا يعلم هل زيد مأخوذ أو آخذ .
وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا   وقد يبيح الغيب فيه وصلا
(2)

الموضوع التالي


النكرة والمعرفة : ج

الموضوع السابق


النكرة والمعرفة : ب