التنازع في العمل
 
( إن عاملان اقتضيا في اسم عمل ... قبل فللواحد منهما العمل ) ( والثان أولى عند أهل البصره ... واختار عكسا غيرهم ذا أسره ) التنازع عبارة عن توجه عاملين إلى معمول واحد نحو ضربت (2/157) - وأكرمت زيدا فكل واحد من ضربت وأكرمت يطلب زيدا بالمفعولية وهذا معنى قوله إن عاملان إلى آخره وقوله قبل معناه أن العاملين يكونان قبل المعمول كما مثلنا ومقتضاه أنه لو تأخر العاملان لم تكن المسألة من باب التنازع وقوله فللواحد منهما العمل معناه أن أحد العاملين يعمل في ذلك الاسم الظاهر والآخر يهمل عنه ويعمل في ضميره كما سيذكره (2/159) - ولا خلاف بين البصريين والكوفيين أنه يجوز إعمال كل واحد من العاملين في ذلك الاسم الظاهر ولكن اختلفوا في الأولى منهما فذهب البصريون إلى أن الثاني أولى به لقربه منه وذهب الكوفيون إلى أن الأول أولى به لتقدمه ( وأعمل المهمل في ضمير ما ... تنازعاه والتزم ما التزما ) (2/160) - ( كيحسنان ويسيء ابناكا ... وقد بغى واعتديا عبداكا ) أي إذا أعملت أحد العاملين في الظاهر وأهملت الآخر عنه فأعمل المهمل في ضمير الظاهر والتزم الإضمار إن كان مطلوب العامل مما يلزم ذكره ولا يجوز حذفه كالفاعل وذلك كقولك يحسن ويسيء ابناك فكل واحد من يحسن ويسيء يطلب ابناك بالفاعلية فإن أعملت الثاني وجب أن تضمر في الأول فاعله فتقول يحسنان ويسيء ابناك وكذلك إن أعملت الأول وجب الإضمار في الثاني فتقول يحسن ويسيئان ابناك ومثله بغى واعتديا عبداك وإن أعملت الثاني في هذا المثال قلت بغيا واعتدى عبداك ولا يجوز ترك الإضمار فلا تقول يحسن ويسيء إبناك ولا بغى واعتدى عبداك لأن تركه يؤدي إلى حذف الفاعل والفاعل ملتزم الذكر وأجاز الكسائي ذلك على الحذف (2/161) - بناء على مذهبه في جواز حذف الفاعل وأجازه الفراء على توجه العاملين معا إلى الاسم الظاهر وهذا بناء منهما على منع الإضمار في الأول عند إعمال الثاني فلا تقول يحسنان ويسيء ابناك وهذا الذي ذكرناه عنهما هو المشهور من مذهبهما في هذه المسألة ( ولا تجي مع أول قد أهملا ... بمضمر لغير رفع أوهلا ) ( بل حذفه الزم إن يكن غير خبر ... وأخرنه إن يكن هو الخبر ) (2/162) - تقدم أنه إذا أعمل أحد العاملين في الظاهر وأهمل الآخر عنه أعمل في ضميره ويلزم الإضمار إن كان مطلوب الفعل مما يلزم ذكره كالفاعل أو نائبه ولا فرق في وجوب الإضمار حينئذ بين أن يكون المهمل الأول أو الثاني فتقول يحسنان ويسيء ابناك ويحسن ويسيئان ابناك وذكر هنا أنه إذا كان مطلوب الفعل المهمل غير مرفوع فلا يخلو إما أن يكون عمدة فى الأصل وهو مفعول ظن وأخواتها لأنه مبتدأ في الأصل أو خبر وهو المراد بقوله إن يكن هو الخبر أولا فإن لم يكن كذلك فإما أن يكون الطالب له هو الأول أو الثاني فإن كان الأول لم يجز الإضمار فتقول ضربت وضربني زيد ومررت ومر بي زيد ولا تضمر فلا تقول ضربته وضربني زيد ولا مررت به ومر بي زيد وقد جاء في الشعر كقوله 160 - ( إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب ... جهارا فكن في الغيب أحفظ للعهد ) ( وألغ أحاديث الوشاة فقلما ... يحاول واش غير هجران ذي ود ) (2/163) - وإن كان الطالب له هو الثاني وجب الإضمار فتقول ضربني وضربته زيد ومر بي ومررت به زيد ولا يجوز الحذف فلا تقول ضربني وضربت زيد ولا مر بي ومررت زيد وقد جاء في الشعر كقوله 161 - بعكاظ يعشي الناظرين إذا هم لمحوا شعاعه والأصل لمحوه فحذف الضمير ضرورة وهو شاذ كما شذ عمل المهمل الأول في المفعول المضمر الذي ليس بعمدة في الأصل (2/165) - هذا كله إذا كان غير المرفوع ليس بعمدة في الأصل فإن كان عمدة في الأصل فلا يخلو إما أن يكون الطالب له هو الأول أو الثاني فإن كان الطالب له هو الأول وجب إضماره مؤخرا فتقول ظنني وظننت زيدا قائما إياه وإن كان الطالب له هو الثاني أضمرته متصلا كان أو منفصلا فتقول ظننت وظننيه زيدا قائما وظننت وظنني إياه زيدا قائما ومعنى البيتين أنك إذا أهملت الأول لم تأت معه بضمير غير مرفوع وهو المنصوب والمجرور فلا تقول ضربته وضربني زيد ولا مررت به ومر بي زيد بل يلزم الحذف فتقول ضربت وضربني زيد ومررت ومر بي زيد إلا إذا كان المفعول خبرا في الأصل فإنه لا يجوز حذفه بل يجب الإتيان به مؤخرا فتقول ظنني وظننت زيدا قائما إياه (2/166) - ومفهومه أن الثاني يؤتى معه بالضمير مطلقا مرفوعا كان أو مجرورا أو منصوبا عمدة في الأصل أو غير عمدة ( وأظهر ان يكن ضمير خبرا ... لغير ما يطابق المفسرا ) ( نحو أظن ويظناني أخا ... زيدا وعمرا أخوين في الرخا ) أي يجب أن يؤتى بمفعول الفعل المهمل ظاهرا إذا لزم من إضماره عدم مطابقته لما يفسره لكونه خبرا في الأصل عما لا يطابق المفسر كما إذا كان في الأصل خبرا عن مفرد ومفسره مثنى نحو أظن ويظناني زيدا وعمرا أخوين فزيدا مفعول أول لأظن وعمرا معطوف عليه وأخوين مفعول ثان لأظن والياء مفعول أول ليظنان فيحتاج إلى مفعول ثان فلو أتيت به ضميرا فقلت (2/167) - أظن ويظناني إياه زيدا أخوين لكان إياه مطابقا للياء في أنهما مفردان ولكن لا يطابق ما يعود عليه وهو أخوين لأنه مفرد وأخوين مثنى فتفوت مطابقة المفسر للمفسر وذلك لا يجوز وإن قلت أظن ويظناني إياهما زيدا وعمرا أخوين حصلت مطابقة المفسر للمفسر وذلك لكون إياهما مثنى وأخوين كذلك ولكن تفوت مطابقة المفعول الثاني الذي هو خبر في الأصل للمفعول الأول الذي هو مبتدأ في الأصل لكون المفعول الأول مفردا وهو الياء والمفعول الثاني غير مفرد وهو إياهما ولا بد من مطابقة الخبر للمبتدأ فلما تعذرت المطابقة مع الإضمار وجب الإظهار فتقول أظن ويظناني أخا زيدا وعمرا أخوين فزيدا وعمرا أخوين مفعولا أظن والياء مفعول يظنان الأول وأخا مفعوله الثاني ولا تكون المسألة حينئذ من باب التنازع لأن كلا من العاملين عمل في ظاهر وهذا مذهب البصريين وأجاز الكوفيون الإضمار مراعى به جانب المخبر عنه فتقول أظن ويظناني إياه زيدا وعمرا أخوين وأجازوا أيضا الحذف فتقول أظن ويظناني زيدا وعمرا أخوين (2/168)

الموضوع التالي


المفعول المطلق

الموضوع السابق


تعدى الفعل، ولزومه