المفعول المطلق
 
( المصدر اسم ما سوى الزمان من ... مدلولي الفعل كأمن من أمن ) الفعل يدل على شيئين الحدث والزمان فقام يدل على قيام في زمن ماض ويقوم يدل على قيام في الحال أو الاستقبال وقم يدل على قيام في الاستقبال والقيام هو الحدث وهو أحد مدلولي الفعل وهو المصدر وهذا معنى قوله ما سوى الزمان من مدلولي الفعل فكأنه قال المصدر اسم الحدث كأمن فإنه أحد مدلولي أمن والمفعول المطلق هو المصدر المنتصب توكيدا لعامله أو بيانا لنوعه أو عدده نحو ضربت ضربا وسرت سير زيد وضربت ضربتين وسمى مفعولا مطلقا لصدق المفعول عليه غير مقيد بحرف جر ونحوه بخلاف غيره من المفعولات فإنه لا يقع عليه اسم المفعول إلا مقيدا كالمفعول به والمفعول فيه والمفعول معه والمفعول له ( بمثله او فعل او وصف نصب ... وكونه أصلا لهذين انتخب ) (2/169) - ينتصب المصدر بمثله أي بالمصدر نحو عجبت من ضربك زيدا ضربا شديدا أو بالفعل نحو ضربت زيدا ضربا أو بالوصف نحو أنا ضارب زيدا ضربا (2/170) - ومذهب البصريين أن المصدر أصل والفعل والوصف مشتقان منه وهذا معنى قوله وكونه أصلا لهذين انتخب أي المختار أن المصدر أصل لهذين أي الفعل والوصف ومذهب الكوفيين أن الفعل أصل والمصدر مشتق منه وذهب قوم إلى أن المصدر أصل والفعل مشتق منه والوصف مشتق من الفعل وذهب ابن طلحة إلى أن كلا من المصدر والفعل أصل برأسه وليس أحدهما مشتقا من الآخر والصحيح المذهب الأول لأن كل فرع يتضمن الأصل وزيادة والفعل والوصف بالنسبة إلى المصدر كذلك لأن كلا منهما يدل على المصدر وزيادة فالفعل يدل على المصدر والزمان والوصف يدل على المصدر والفاعل ( توكيدا أو نوعا يبين أو عدد ... كسرت سيرتين سير ذي رشد ) (2/171) - المفعول المطلق يقع على ثلاثة أحوال كما تقدم أحدها أن يكون مؤكدا نحو ضربت ضربا الثاني أن يكون مبينا للنوع نحو سرت سير ذي رشد وسرت سيرا حسنا الثالث أن يكون مبينا للعدد نحو ضربت ضربة وضربتين وضربات ( وقد ينوب عنه ما عليه دل ... كجد كل الجد وافرح الجذل ) (2/172) - قد ينوب عن المصدر ما يدل عليه ككل وبعض مضافين إلى المصدر نحو جد كل الجد وكقوله تعالى ( فلا تميلوا كل الميل ) وضربته بعض الضرب وكالمصدر المرادف لمصدر الفعل المذكور نحو قعدت جلوسا وافرح الجذل فالجلوس نائب مناب القعود لمرادفته له والجذل نائب مناب الفرح لمرادفته له (2/173) - وكذلك ينوب مناب المصدر اسم الإشارة نحو ضربته ذلك الضرب وزعم بعضهم أنه إذا ناب اسم الإشارة مناب المصدر فلا بد من وصفه بالمصدر كما مثلنا وفيه نظر فمن أمثلة سيبويه ظننت ذاك أي ظننت ذاك الظن فذاك إشارة إلى الظن ولم يوصف به وينوب عن المصدر أيضا نحو ضربته زيدا أي ضربت الضرب ومنه قوله تعالى ( لا أعذبه أحدا من العالمين ) أي لا أعذب العذاب وعدده نحو ضربته عشرين ضربة ومنه قوله تعالى ( فاجلدوهم ثمانين جلدة ) والآلة نحو ضربته سوطا والأصل ضربته ضرب سوط فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والله تعالى أعلم ( ولو لتوكيد فوحد أبدا ... وثن واجمع غيره وأفرادا ) لا يجوز تثنية المصدر المؤكد لعامله ولا جمعه بل تجب إفراده فتقول ضربت ضربا وذلك لأنه بمثابة تكرر الفعل والفعل لا يثنى ولا يجمع (2/174) - وأما غير المؤكد وهو المبين للعدد والنوع فذكر المصنف أنه يجوز تثنيته وجمعه فأما المبين للعدد فلا خلاف في جواز تثنيته وجمعه نحو ضربت ضربتين وضربات وأما المبين للنوع فالمشهور أنه يجوز تثنيته وجمعه إذا اختلفت أنواعه نحو سرت سيرى زيد الحسن والقبيح وظاهر كلام سيبويه أنه لا يجوز تثنيته ولا جمعه قياسا بل يقتصر فيه على السماع وهذا اختيار الشلوبين ( وحذف عامل المؤكد امتنع ... وفي سواه لدليل متسع ) المصدر المؤكد لا يجوز حذف عامله لأنه مسوق لتقرير عامله وتقويته والحذف مناف لذلك وأما غير المؤكد فيحذف عامله للدلالة عليه جوازا ووجوبا فالمحذوف جوازا كقولك سير زيد لمن قال أي سير سرت وضربتين لمن قال كم ضربت زيدا والتقدير سرت سير زيد وضربته ضربتين وقول ابن المصنف إن قوله وحذف عامل المؤكد امتنع سهو منه لأن حذف (2/175) - قولك ضربا زيدا مصدر مؤكد وعامله محذوف وجوبا كما سيأتي ليس بصحيح وما استدل به على دعواه من وجوب حذف عامل المؤكد بما سيأتي ليس منه وذلك لأن ضربا زيدا ليس من التأكيد في شيء بل هو أمر خال من التأكيد بمثابة اضرب زيدا لأنه واقع موقعه فكما أن اضرب زيدا لا تأكيد فيه كذلك ضربا زيدا وكذلك جميع الأمثلة التي ذكرها ليست من باب التأكيد في شيء لأن المصدر فيها نائب مناب العامل دال على ما يدل عليه وهو عوض منه ويدل على ذلك عدم جواز الجمع بينهما ولا شيء من المؤكدات يمتنع الجمع بينها وبين المؤكد ومما يدل أيضا على أن ضربا زيدا ونحوه ليس من المصدر المؤكد لعامله أن المصدر المؤكد لا خلاف في أنه لا يعمل واختلفوا في المصدر الواقع موقع الفعل هل يعمل أولا والصحيح أنه يعمل فزيدا في قولك ضربا زيدا منصوب بضربا على الأصح وقيل إنه منصوب بالفعل المحذوف وهو اضرب فعلى القول الأول ناب ضربا عن اضرب في الدلالة على معناه وفي العمل وعلى القول الثاني ناب عنه في الدلالة على المعنى دون العمل ( والحذف حتم مع آت بدلا ... من فعله كندلا اللذ كاندلا ) (2/176) - يحذف عامل المصدر وجوبا في مواضع منها إذا وقع المصدر بدلا من فعله وهو مقيس فى الأمر والنهي نحو قياما لا قعودا أي قم قياما ولا تقعد قعودا والدعاء نحو سقيا لك أي سقاك الله وكذلك يحذف عامل المصدر وجوبا إذا وقع المصدر بعد الاستفهام المقصود به التوبيخ نحو أتوانيا وقد علاك المشيب أي أتتوانى وقد علاك ويقل حذف عامل المصدر وإقامة المصدر مقامه في الفعل المقصود به الخبر نحو أفعل وكرامة أي وأكرمك فالمصدر في هذه الأمثلة ونحوها منصوب بفعل محذوف وجوبا والمصدر نائب منابه في الدلالة على معناه (2/177) - وأشار بقوله كندلا إلى ما أنشده سيبويه وهو قول الشاعر 162 - ( يمرون بالدهنا خفافا عيابهم ... ويرجعن من دارين بجر الحقائب ) ( على حين ألهى الناس جل أمورهم ... فندلا زريق المال ندل الثعالب ) (2/178) - فندلا نائب مناب فعل الأمر وهو اندل والندل خطف الشيء بسرعة وزريق منادى والتقدير ندلا يا زريق المال وزريق اسم رجل وأجاز المصنف أن يكون مرفوعا بندلا وفيه نظر لأنه إن جعل ندلا نائبا مناب فعل الأمر للمخاطب والتقدير أندل لم يصح أن يكون مرفوعا به لأن فعل الأمر إذا كان للمخاطب لا يرفع ظاهرا فكذلك ما ناب منابه وإن جعل نائبا مناب فعل الأمر للغائب والتقدير ليندل صح أن يكون مرفوعا به لكن المنقول أن المصدر لاينوب مناب فعل الأمر للغائب وإنما ينوب مناب فعل الأمر للمخاطب نحو ضربا زيدا أي اضرب زيدا والله أعلم ( وما لتفصيل كإما منا ... عامله يحذف حيث عنا ) (2/179) - يحذف أيضا عامل المصدر وجوبا إذا وقع تفصيلا لعاقبة ما تقدمه كقوله تعالى ( حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء ) فمنا وفداء مصدران منصوبان بفعل محذوف وجوبا والتقدير والله أعلم فإما تمنون منا وإما تفدون فداء وهذا معنى قوله وما لتفصيل إلى آخره أي يحذف عامل المصدر المسوق للتفصيل حيث عن أي عرض ( كذا مكرر وذو حصر ورد ... نائب فعل لاسم عين استند ) (2/180) - أي كذلك يحذف عامل المصدر وجوبا إذا ناب المصدر عن فعل استند لاسم عين أي أخبر به عنه وكان المصدر مكررا أو محصورا فمثال المكرر زيد سيرا سيرا والتقدير زيد يسير سيرا فحذف يسير وجوبا لقيام التكرير مقامه ومثال المحصور ما زيد إلا سيرا وإنما زيد سيرا والتقدير إلا يسير سيرا فحذف يسير وجوبا لما في الحصر من التأكيد القائم مقام التكرير فإن لم يكرر ولم يحصر لم يجب الحذف نحو زيد سيرا التقدير زيد يسير سيرا فإن شئت حذفت يسير وإن شئت صرحت به والله أعلم ( ومنه ما يدعونه مؤكدا ... لنفسه أو غيره فالمبتدا ) (2/181) - ( نحو له علي ألف عرفا ... والثان كابني أنت حقا صرفا ) أي من المصدر المحذوف عامله وجوبا ما يسمى المؤكد لنفسه والمؤكد لغيره فالمؤكد لنفسه الواقع بعد جملة لا تحتمل غيره نحو له علي ألف عرفا أي اعترافا فاعترافا مصدر منصوب بفعل محذوف وجوبا والتقدير أعترف اعترافا ويسمى مؤكدا لنفسه لأنه مؤكد للجملة قبله وهي نفس المصدر بمعنى أنها لا تحتمل سواه وهذا هو المراد بقوله فالمبتدا أي فالأول من القسمين المذكورين في البيت الأول والمؤكد لغيره هو الواقع بعد جملة تحتمله وتحتمل غيره فتصير بذكره نصا فيه نحو أنت ابني حقا فحقا مصدر منصوب بفعل محذوف وجوبا والتقدير أحقه حقا وسمي مؤكدا لغيره لأن الجملة قبله تصلح له ولغيره لأن قولك أنت ابني يحتمل أن يكون حقيقة وأن يكون مجازا على معنى أنت (2/182) - عندي في الحنو بمنزلة ابني فلما قال حقا صارت الجملة نصا في أن المراد البنوة حقيقة فتأثرت الجملة بالمصدر لأنها صارت به نصا فكان مؤكدا لغيره لوجوب مغايرة المؤثر للمؤثر فيه ( كذاك ذو التشبيه بعد جملة ... كلي بكا بكاء ذات عضله ) أي كذلك يجب حذف عامل المصدر إذا قصد به التشبيه بعد جملة مشتملة على فاعل المصدر في المعنى نحو لزيد صوت صوت حمار وله بكاء بكاء الثكلى (2/183) - فصوت حمار مصدر تشبيهي وهو منصوب بفعل محذوف وجوبا والتقدير يصوت صوت حمار وقبله جملة وهي لزيد صوت وهي مشتملة على الفاعل فىالمعنى وهو زيد وكذلك بكاء الثكلى منصوب بفعل محذوف وجوبا والتقدير يبكي بكاء الثكلى فلو لم يكن قبل هذا المصدر جملة وجب الرفع نحو صوته صوت حمار وبكاؤه بكاء الثكلى وكذا لو كان قبله جملة وليست مشتملة على الفاعل في المعنى نحو هذا بكاء بكاء الثكلى وهذا صوت صوت حمار ولم يتعرض المصنف لهذا الشرط ولكنه مفهوم من تمثيله (2/184)

الموضوع التالي


المفعول له

الموضوع السابق


التنازع في العمل