الحال : أ
 

( الحال وصف فضلة منتصب ... مفهم في حال كفردا أذهب )
عرف الحال بأنه الوصف الفضلة المنتصب للدلالة على هيئة نحو فردا أذهب ففردا حال لوجود القيود المذكورة فيه
(2/242)
-
وخرج بقوله فضلة الوصف الواقع عمدة نحو زيد قائم
وبقوله للدلالة على الهيئة التمييز المشتق نحو لله دره فارسا فإنه تمييز لا حال على الصحيح إذ لم يقصد به الدلالة على الهيئة بل التعجب من فروسيته فهو لبيان المتعجب منه لا لبيان هيئته
وكذلك رأيت رجلا راكبا فإن راكبا لم يسق للدلالة على الهيئة بل لتخصيص الرجل
وقول المصنف مفهم في حال هو معنى قولنا للدلالة على الهيئة
(2/243)
-
( وكونه منتقلا مشتقا ... يغلب لكن ليس مستحقا )
ألأكثر في الحال أن تكون منتقلة مشتقة
ومعنى الانتقال ألا تكون ملازمة للمتصف بها نحو جاء زيد راكبا فراكبا وصف منتقل لجواز انفكاكه عن زيد بأن يجيء ماشيا
وقد تجيء الحال غير منتقلة أي وصفا لازما نحو دعوت الله سميعا وخلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها وقوله
179 - ( فجاءت به سبط العظام كأنما ... عمامته بين الرجال لواء )
فسميعا وأطول وسبط أحوال وهي أوصاف لازمة
(2/244)
-
وقد تأتي الحال جامدة ويكثر ذلك في مواضع ذكر المصنف بعضها بقوله
( ويكثر الجمود في سعر وفي ... مبدي تأول بلا تكلف )
( كبعه مدا بكذا يدا بيد ... وكر زيد أسدا أي كأسد )
(2/245)
-
يكثر مجيء الحال جامدة إن دلت على سعر نحو بعد مدا بدرهم فمدا حال جامدة وهي في معنى المشتق إذ المعنى بعه مسعرا كل مد بدرهم ويكثر جمودها أيضا فيما دل على تفاعل نحو بعته يدا بيد أي مناجزة أو على تشبيه نحو كر زيد أسدا أي مشبها الأسد فيد وأسد جامدان وصح وقوعهما حالا لظهور تأولهما بمشتق كما تقدم وإلى هذا أشار بقوله وفي مبدي تأول أي يكثر مجيء الحال جامدة حيث ظهر تأولها بمشتق
وعلم بهذا وما قبله أن قول النحويين إن الحال يجب أن تكون منتقلة مشتقة معناه أن ذلك هو الغالب لا أنه لازم وهذا معنى قوله فيما تقدم لكن ليس مستحقا
(2/246)
-
( والحال إن عرف لفظا فاعتقد ... تنكيره معنى كوحدك اجتهد )
مذهب جمهور النحويين أن الحال لا تكون إلا نكرة وأن ما ورد منها معرفا لفظا فهو منكر معنى كقولهم جاءوا الجماء الغفير 180 -
( وأرسلها العراك )
(2/248)
-
واجتهد وحدك وكلمته فاه إلى في فالجماء والعراك ووحدك وفاه أحوال وهي معرفة لكنها مؤولة بنكرة والتقدير جاءوا جميعا وأرسلها معتركة واجتهد منفردا وكلمته مشافهة
(2/249)
-
وزعم البغداديون ويونس أنه يجوز تعريف الحال مطلقا بلا تأويل فأجازوا جاء زيد الراكب
وفصل الكوفيون فقالوا إن تضمنت الحال معنى الشرط صح تعريفها وإلا فلا فمثال ما تضمن معنى الشرط زيد الراكب أحسن منه الماشي
(2/250)
-
فالراكب والماشي حالان وصح تعريفهما لتأولهما بالشرط إذ التقدير زيد إذا ركب أحسن منه إذا مشى فإن لم تتقدر بالشرط لم يصح تعريفها فلا تقول جاء زيد الراكب إذ لا يصح جاء زيد إن ركب
(2/251)
-
( ومصدر منكر حالا يقع ... بكثرة كبغتة زيد طلع )
حق الحال أن يكون وصفا وهو ما دل على معنى وصاحبه كقائم وحسن ومضروب فوقوعها مصدرا على خلاف الأصل إذ لا دلالة فيه على صاحب المعنى
(2/252)
-
وقد كثر مجيء الحال مصدرا نكرة ولكنه ليس بمقيس لمجيئه على خلاف الأصل ومنه زيد طلع بغتة فبغتة مصدر نكرة وهو منصوب على الحال والتقدير زيد طلع باغتا هذا مذهب سيبويه والجمهور
(2/253)
-
وذهب الأخفش والمبرد إلى أنه منصوب علىالمصدرية والعامل فيه محذوف والتقدير طلع زيد يبغت بغتة فيبغت عندهما هو الحال لا بغتة
وذهب الكوفيون إلى أنه منصوب على المصدرية كما ذهبا إليه ولكن الناصب له عندهم الفعل المذكور وهو طلع لتأويله بفعل من لفظ المصدر والتقدير
(2/254)
-
في قولك زيد طلع بغتة زيد بغت بغتة فيؤولون طلع ببغت وينصبون به بغتة
( ولم ينكر غالبا ذو الحال إن ... لم يتأخر أو يخصص أو يبن )
(2/255)
-
( من بعد نفي أو مضاهيه كلا ... يبغ امرؤ على امرىء مستسهلا )
حتى صاحب الحال أن يكون معرفة ولا ينكر في الغالب إلا عند وجود مسوغ وهو أحد أمور
(2/256)
-
منها أن يتقدم الحال على النكرة نحو فيها قائما رجل وكقول الشاعر وأنشده سيبويه 181 -
( وبالجسم مني بينا لو علمته ... شحوب وإن تستشهدي العين تشهد ) وكقوله 182 -
( وما لام نفسي مثلها لي لائم ... ولا سد فقري مثل ما ملكت يدي )
(2/257)
-
فقائما حال من رجل وبينا حال من شحوب ومثلها حال من لائم
ومنها أن تخصص النكرة بوصف أو بإضافة فمثال ما تخصص بوصف قوله تعالى ( فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا )
(2/258)
-
وكقول الشاعر 183 -
( نجيت يا رب نوحا واستجبت له ... في فلك ماخر في اليم مشحونا )
( وعاش يدعو بآيات مبينة ... في قومه ألف عام غير خمسينا )
(2/259)
-
ومثال ما تخصص بالإضافة قوله تعالى ( في أربعة أيام سواء للسائلين )
ومنها أن تقع النكرة بعد نفي أو شبهه وشبه النفي هو الاستفهام والنهي وهو المراد بقوله أو يبن من بعد نفي أو مضاهيه فمثال ما وقع بعد النفي قوله 184 -
( ما حم من موت حمى واقيا ... ولا ترى من أحد باقيا )
(2/260)
-
ومنه قوله تعالى ( وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ) فلها كتاب جملة في موضع الحال من قرية وصح مجيء الحال من النكرة لتقدم النفي عليها ولا يصح كون الجملة صفة لقرية خلافا للزمخشري لأن الواو لا تفصل بين الصفة والموصوف وأيضا وجود إلا مانع من ذلك إذ لا يعترض بإلا بين الصفة والموصوف وممن صرح بمنع ذلك أبو الحسن الأخفش في المسائل وأبو علي الفارسي في التذكرة
ومثال ما وقع بعد الاستفهام قوله 185 -
( يا صاح هل حم عيش باقيا فترى ... لنفسك العذر في إبعادها الأملا )
(2/261)
-
ومثال ما وقع بعد النهي قول المصنف لا يبغ امرؤ على امريء مستسهلا وقول قطري بن الفجاءة 186 -
( لا يركنن أحد إلى الإحجام ... يوم الوغى متخوفا لحمام )
(2/262)
-
واحترز بقوله غالبا مما قل مجيء الحال فيه من النكرة بلا مسوغ من المسوغات المذكورة ومنه قولهم مررت بماء قعدة رجل وقولهم عليه مائة بيضا وأجاز سيبويه فيها رجل قائما وفي الحديث ( صلى رسول الله قاعدا وصلى وراءه رجال قياما )
( وسبق حال ما بحرف جر قد ... أبوا ولا أمنعه فقد ورد )
(2/263)
-
مذهب جمهور النحويين أنه لا يجوز تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف فلا تقول في مررت بهند جالسة مررت جالسة بهند
وذهب الفارسي وابن كيسان وابن برهان إلى جواز ذلك وتابعهم المصنف لورود السماع بذلك ومنه قوله 187 -
( لئن كان برد الماء هيمان صاديا ... إلي حبيبا إنها لحبيب )
(2/264)
-
فهيمان وصاديا حالان من الضمير المجرور بإلى وهو الياء وقوله 188 -
( فإن تك أذواد أصبن ونسوة ... فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال ) ف فرغا حال من قتل
(2/265)
-
وأما تقديم الحال على صاحبها المرفوع والمنصوب فجائز نحو جاء ضاحكا زيد وضربت مجردة هندا

الموضوع التالي


الحال : ب

الموضوع السابق


الاستثناء : ب