التعجب
 

( بأفعل انطق بعد ما تعجبا ... أو جيء ب أفعل قبل مجرور ببا )
( وتلو أفعل انصبنه كما ... أوفى خليلينا وأصدق بهما )
للتعجب صيغتان إحداهما ما أفعله والثانية أفعل به وإليهما أشار
(3/147)
-
المصنف بالبيت الأول أي أنطق بأفعل بعد ما للتعجب نحو ما أحسن زيدا وما أوفى خليلينا أو جيء بأفعل قبل مجرور ببا نحو أحسن بالزيدين وأصدق بهما
فما مبتدأ وهي نكرة تامة عند سيبويه وأحسن فعل ماض فاعله ضمير مستتر عائد على ما وزيدا مفعول أحسن والجملة خبر عن ما والتقدير شيء أحسن زيدا أي جعله حسنا وكذلك ما أوفى خليلينا
وأما أفعل ففعل أمر ومعناه التعجب لا الأمر وفاعله المجرور بالباء والباء زائدة
واستدل على فعلية أفعل بلزوم نون الوقاية له إذا اتصلت به ياء المتكلم نحو ما أفقرني إلى عفو الله وعلى فعلية أفعل بدخول نون التوكيد عليه في قوله
268 - ( ومستبدل من بعد غضبي صريمة ... فأحر به من طول فقر وأحريا )
(3/148)
-
أراد وأحرين بنون التوكيد الخفيفة فأبدلها ألفا في الوقف
وأشار بقوله وتلو أفعل إلى أن تالى أفعل ينصب لكونه مفعولا نحو ما أوفى خليلينا
ثم مثل بقوله وأصدق بهما للصيغة الثانية
وما قدمناه من أن ما نكرة تامة هو الصحيح والجملة التي بعدها خبر عنها والتقدير شيء أحسن زيدا أي جعله حسنا وذهب الأخفش إلى أنها موصولة والجملة التي بعدها صلتها والخبر محذوف والتقدير الذي أحسن زيدا شيء عظيم وذهب بعضهم إلى أنها استفهامية والجملة التي بعدها خبر عنها والتقدير أي شيء أحسن زيدا وذهب بعضهم إلى أنها نكرة موصوفة والجملة التي بعدها صفة لها والخبر محذوف والتقدير شيء أحسن زيدا عظيم
( وحذف مامنه تعجبت استبح ... إن كان عند الحذف معناه يضح )
(3/150)
-
يجوز حذف المتعجب منه وهو المنصوب بعد أفعل والمجرور بالباء بعد أفعل إذا دل عليه دليل فمثال الأول قوله
269 - ( أرى أم عمرو دمعها قد تحدرا ... بكاء على عمرو وما كان أصبرا )
(3/151)
-
التقدير وما كان أصبرها فحذف الضمير وهو مفعول أفعل للدلالة عليه بما تقدم ومثال الثاني قوله تعالى ( أسمع بهم وأبصر ) التقدير والله أعلم وأبصر بهم فحذف بهم لدلالة ما قبله عليه وقول الشاعر
270 - ( فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميدا وإن يستغن يوما فأجدر )
(3/152)
-
أي فأجدر به فحذف المتعجب منه بعد أفعل وإن لم يكن معطوفا على أفعل مثله وهو شاذ
( وفي كلا الفعلين قدما لزما ... منع تصرف بحكم حتما )
لا يتصرف فعلا التعجب بل يلزم كل منهما طريقة واحدة فلا يستعمل من أفعل غير الماضي ولا من أفعل غير الأمر قال المصنف وهذا مما لا خلاف فيه
( وصغهما من ذي ثلاث صرفا ... قابل فضل تم غير ذي انتفا )
( وغير ذي وصف يضاهي أشهلا ... وغير سالك سبيل فعلا )
(3/153)
-
يشترط في الفعل الذي يصاغ منه فعلا التعجب شروط سبعة
أحدهما أن يكون ثلاثيا فلا يبنيان مما زاد عليه نحو دحرج وانطلق واستخرج
الثاني أن يكون متصرفا فلا يبنيان من فعل غير متصرف كنعم وبئس وعسى وليس
الثالث أن يكون معناه قابلا للمفاضلة فلا يبنيان من مات وفنى ونحوهما إذ لا مزية فيهما لشيء على شيء
الرابع أن يكون تاما واحترز بذلك من الأفعال الناقصة نحو كان وأخواتها فلا تقول ما أكون زيدا قائما وأجازه الكوفيون
الخامس أن لا يكون منفيا واحترز بذلك من المنفي لزوما نحو ما عاج فلان بالدواء أي ما انتفع به أو جوازا نحو ما ضربت زيدا
السادس أن لا يكون الوصف منه على أفعل واحترز بذلك من الأفعال الدالة على الألوان كسود فهو أسود وحمر فهو أحمر والعيوب كحول فهو أحول وعور فهو أعور فلا تقول ما أسوده ولا ما أحمره ولا ما أحوله ولا ما أعوره ولا أعور به ولا أحول به
السابع أن لا يكون مبنيا للمفعول نحو ضرب زيد فلا تقول ما أضرب زيدا تريد التعجب من ضرب أوقع به لئلا يلتبس بالتعجب من ضرب أوقعه
( وأشدد أو أشد أو شبههما ... يخلف ما بعض الشروط عدما )
(3/154)
-
( ومصدر العادم بعد ينتصب ... وبعد أفعل جره بالبا يجب )
يعني أنه يتوصل إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بأشدد ونحوه وبأشد ونحوه وينصب مصدر ذلك الفعل العادم الشروط بعد أفعل مفعولا ويجر بعد أفعل بالباء فتقول ما أشد دحرجته واستخراجه وأشدد بدحرجته واستخراجه وما أقبح عوره وأقبح بعوره وما أشد حمرته وأشدد بحمرته
( وبالندور أحكم لغير ما ذكر ... ولا تقس على الذي منه أثر )
(3/155)
-
يعني أنه إذا ورد بناء فعل التعجب من شيء من الأفعال التي سبق أنه لا يبنى منها حكم بندوره ولا يقاس على ما سمع منه كقولهم ما أخصره من اختصر فبنوا أفعل من فعل زائد على ثلاثة أحرف وهو مبني للمفعول وكقولهم ما أحمقه فبنوا أفعل من فعل الوصف منه على أفعل نحو حمق فهو أحمق وقولهم ما أعساه وأعس به فبنوا أفعل وأفعل به من عسى وهو فعل غير متصرف
( وفعل هذا الباب لن يقدما ... معموله ووصله بما ألزما )
( وفصله بظرف أو بحرف جر ... مستعمل والخلف في ذاك استقر )
لا يجوز تقديم معمول فعل التعجب عليه فلا تقول زيدا ما أحسن
(3/156)
-
ولا ما زيدا أحسن ولا بزيد أحسن ويجب وصله بعامله فلا يفصل بينهما بأجنبى فلا تقول في ما أحسن معطيك الدرهم ما أحسن الدرهم معطيك ولا فرق في ذلك بين المجرور وغيره فلا تقول ما أحسن بزيد مارا تريد ما أحسن مارا بزيد ولا ما أحسن عندك جالسا تريد ما أحسن جالسا عندك فإن كان الظرف أو المجرور معمولا لفعل التعجب ففي جواز الفصل بكل منهما بين فعل التعجب ومعموله خلاف والمشهور جوازه خلافا للأخفش والمبرد ومن وافقهما ونسب الصيمرى المنع إلى سيبويه ومما ورد فيه الفصل في النثر قول عمرو بن معد يكرب لله در بني سليم ما أحسن في الهيجاء لقاءها وأكرم في اللزبات عطاءها وأثبت في المكرمات بقاءها وقول علي كرم الله وجهه وقد مر بعمار فمسح التراب عن وجهه أعزز على أبا اليقظان أن أراك صريعا مجدلا ومما ورد منه من النظم قول بعض الصحابة رضي الله عنهم
271 - ( وقال نبي المسلمين تقدموا ... وأحبب إلينا أن تكون المقدما )
(3/157)
-
وقوله
272 - ( خليلي ما أحرى بذي اللب أن يرى ... صبورا ولكن لا سبيل إلى الصبر )
(3/158)

الموضوع السابق


الصفة المشبهة