الباب الثاني : في عقد الإمامة : ب |
وفي الحصور قولان: أحدهما أنه العنين الذي لا يقدر على إتيان النساء قال ابن مسعود وابن عباس. والثاني أنه من لم يكن له ذكر يغشى به النساء أو كان كالنواة قاله سعيد بن المسيب، فلما لم يمنع ذلك من النبوة فأولى أن لا يمنع من الإمامة، وكذلك قطع الأذنين لأنهما لا يؤثران في رأي ولا عمل ولهما شين خفي يمكن أن يستتر فلا يظهر. والقسم الثاني ما يمنع من عقد الإمامة ومن استدامتها، وهو ما يمنع من العمل كذهاب اليدين أو من النهوض كذهاب الرجلين، فلا تصح معه الإمامة في عقد ولا استدامة لعجزه عما يلزمه من حقوق لأمة في عمل أو نهضة. والقسم الثالث ما يمنع من عقد الإمامة. واختلف في منعه من استدامتها وهو ما ذهب به بعض العمل، أو فقد به بعض النهوض كذهاب إحدى اليدين أو إحدى الرجلين فلا يصح معه عقد الإمامة لعجزه عن كمال التصرف، فإن طرأ بعد عقد الإمامة ففي خروجه منها مذهبان للفقهاء: أحدهما يخرج به من الإمامة لأنه عجز يمنع من ابتدائها فمنع من استدامتها. والمذهب الثاني أنه لا يخرج به من الإمامة لأنه عجز يمنع من ابتدائها فمنع من استدامتها. والمذهب الثاني أنه لا يخرج به من الإمامة وإن منع من عقدها، لأن المعتبر في عقدها كمال السلامة وفي الخروج منها كمال النقص. والقسم الرابع ما لا يمنع من استدامة الإمامة. واختلف في منعه من ابتداء عقدها وهو ما شان وقبح ولم يؤثر في عمل ولا في نهضة كجدع الأنف وسمل إحدى العينين، فلا يخرج به من الإمامة بعد عقدها لعدم تأثيره في شيء من حقوقها. وفي منعه من ابتداء عقدها مذهبان الفقهاء: أحدهما أنه لا يمنع من عقدها وليس ذلك من الشروط المعتبرة فيها لعدم تأثيره في حقوقها والمذهب الثاني أنه يمنع من عقد الإمامة وتكون السلامة منه شرطاً معتبراً في عقدها ليسلم ولاة المللة من شين يعاب ونقص يزدرى فتقل الهيبة، وفي قلتها نفور من الطاعة، وما أدى إلى هذا فهو نقص في حقوق الأمة. وأما نقص التصرف فضربان: حجر وقهر. فأما الحجر فهو أن يستولي عليه أعوانه من يستبد بتنفيذ الأمور من غير تظاهر بمعصية ولا مجاهرة بمشاقة، فلا يمنع ذلك من إمامته ولا يقدح في صحة ولايته ولكن ينظر في أفعال من استولى على أموره، فإن كنت جارية على أحكام الدين ومقتضى العدل يجاز إقراره عليها تنفيذاً لها وإمضاء لأحكامها لئلا يقف من الأمور الدينية ما يعود بفساد على الأمة. وإن كانت أفعاله خارجة عن حكم الدين ومقتضى العدل لم يجز إقراره عليها ولزمه أن يستنصر من يقبض يده ويزيل تغلبه. وأما القهر فهو أن يصير مأسوراً في يد عدو قاهر لا يقدر على الخلاص منه فيمنع ذلك عن عقد الإمامة له لعجزه عن النظر في أمور المسلمين، وسواء كان العد مشركاً أو مسلماً باغياً، وللإمة اختيار من عداه من ذوي القدرة، وإن أسر بعد أن عقدت له الإمامة فعلى كافة الأمة استنقاذه لما أوجبته الإمامة من نصرته وهو على إمامته ما كان مرجو الخلاص مأمول الفكاك إما بقتال أو فداء، فإن وقع الإياس منه لم يخل حال من أسره من أن يكون مشركين أو بغاة مسلمين، فإن كان في أسر المشركين خرج من الإمامة لليأس من خلاصه واستأنف أهل الاختيار بيعة غيره على الإمامة، فإن عهد بالإمامة في حال أسره نظر في عهده، فإن كان بعد الإياس من خلاصه كان عهده باطلاً لأنه عهد بعد خروجه من الإمامة فلم يصح منه عهد، وإن عهد قبل الإياس من خلاصه وقت هو فيه مرجو الخلاص صح عهده لبقاء إمامته واستقرت إمامة ولي عهده بالإياس من خلاصه لزوال إمامته، فلو خلص من أسره بعد عهده نظر في خلاصه فإن كان بعد الإياس منه لم يعد إلى إمامته لخروجه منا بالإياس واستقرت في ولي عهده وإن خلص قبل الإياس فهو على إمامته ويكون العهد في ولي العهد ثابتاً وإن لم يصر إماماً وإن كان مأسوراً مع بغاة المسلمين، فإن كان مرجو الخلاص فهو على إمامته وإن لم يخل حال البغاة من أحد أمرين: إما أن يكونوا نصبوا لأنفسهم إماماً أو لم ينصبوا فإن كانوا فوضى لا إمام هم فالإمام مأسور في أيديهم على إمامته لأنه بيعته لهم لازمة وطاعته عليهم واجبة فصار معهم كمصيره مع أهل العدل إذا صارت تحت الحجر، وعلى أهل الاختيار أن يستنيبوا عنه ناظراً يخلفه إن لم يقدر على الاستنابة، فإن قدر عليها كان أحق باختبار من يستنيبه منهم، فإن خلع المأسور نفسه أو مات لم يصر المستناب إماماً لأنها نيابة عن موجود فزالت بفقده، وإن كان أهل البغي قد نصبوا لأنفسهم إماماً دخلوا في بيعته وانقادوا لطاعته فالإمام المأسور في أيديهم خارج من الإمامة بالإياس من خلاصه، لأنهم قد انحازوا بدار تفرد حكمها عن الجماعة وخرجوا بها عن الطاعة فلم يبق لأهل العدل بهم نصرة وللمأسور معهم قدرة، وعلى أهل الاختيار في دار العدل أن يعقدوا الإمامة لمن ارتضوا لها، فإن خلص المأسور لم يعد إلى الإمامة لخروجه منها. وإذا تمهد ما وصفناه من أحكام الإمامة وعموم نظرها في مصالح الملة وتدبير الأمة، فإذا استقر عقدها للإمام انقسم ما صدر عنه من ولايات خلفائه أربعة أقسام: فالقسم الأول من تكون ولايته عامة في الأعمال العامة وهم الوزراء لأنهم يستنابون في جميع الأمور من غير تخصيص. والقسم الثاني من تكون ولايته عامة في أعمال خاصة وهم أمراء الأقاليم والبلدان لأن النظر فيما خصوا به من الأعمال عام في جميع الأمور. والقسم الثالث: من تكون ولايته خاصة في الأعمال العامة وهم كقاضي القضاة ونقيب الجيوش وحامي الثغور ومستوفي الخراج وجابي الصدقات، لأن كل واحد منهم مقصور على نظر خاص في جميع الأعمال، والقسم الرابع: من تكون ولايته خاصة في الأعمال الخاصة وهم كقاضي بلد أو إقليم أو مستوفي خراجه أو جابي صدقاته أو حامي ثغره أو نقيب جند، لأن كل واحد منهم خاص النظر مخصوص العمل، ولكل واحد من هؤلاء الولاة شروط تنعقد بها ولايته ويصح معها نظره. ونحن نذكرها في أبوابها ومواضعها بمشيئة الله وتوفيقه. |