الباب الرابع : في تقليد الإمارة على الجهاد : ب
 

والثالث من حقوق الله تعالى أن يؤدي الأمانة فيما حازه من الغنائم ولا يغل أحد منهم شيئاً حتى يقسم بين جميع الغانمين ممن شهد الواقعة وكان على العدو يداً لأن لكل واحد منهم فيها حقاً؛ قال الله تعالى: "وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة".
وفيه ثلاثة تأويلات: أحدها وما كان لنبي أن يغل أصحابه ويخونهم في غنائمهم، وهذا قول ابن عباس رضوان الله عليه، والثاني وما كان لنبي أن يغله أصحابه ويخونوه في غنائمهم وهذا قول الحسن بن قتادة. والثالث ما كان لنبي أن يكتم أصحابه ما بعثه الله تعالى به إليهم لرهبة منهم ولا لرغبة فيهم، وهذا قول محمد بن إسحاق.
والرابع من حقوق الله تعالى أن لا يمايل من المشركين ذا قربى ولا يحابي في نصرة دين الله ذا مودة فإن حق الله أوجب ونصرة دينه ألزم. قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق" الآية.
نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وقد كتب كتاباً إلى مكة حين هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزوهم يعلمهم فيه حال مسيره إليهم وأنفذه مع سارة مولاة لبني عبد المطلب فأطلع الله نبيه عليها فأنفذه علياً والزبير في أثرها حتى أخرجاه من قرن رأسها، فدعا حاطباً وقال ما حملك على ما صنعت؟ فقال والله يا رسول الله إني لمؤمن بالله ورسوله ما كفرت ولا بدلت ولكني امرؤ ليس لي في القوم أصل ولا عشيرة وكان لي بين أظهرهم أهل وولد فطالعتهم بذلك وعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما ما يلزمهم في حق الأمير عليهم فأربعة أشياء: أحدها التزام طاعته والدخول في ولايته لأن ولايته عليهم انعقدت وطاعته بالولاية وجبت، قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم".
وفي أولي الأمر تأويلان: أحدهما أنهم الأمراء، وهذا قول ابن عباس رضوان الله عليه. والثاني أنهم العلماء، وهذا قول جابر بن عبد الله والحسن وعطاء؛ وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني".
والثاني أن يفوضوا الأمر إلى رأيه ويكلوه إلى تدبيره حتى لا تختلف آراؤهم فتتلف كلمتهم ويفترق جمعهم، قال تعالى: "ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستبطونه منهم".
فجعل تفويض الأمر إلى وليه سبباً لحصول العلم وسداد الأمر، فإن ظهر لهم صواب خفي عليه بينوه له وأشاروا به عليه، ولذلك ندب إلى المشاورة ليرجع بها إلى الصواب. والثالث أن يسارعوا إلى امتثال الأمر والوقوف عند نهيه وزجره، لأنهما من لوازم طاعته فإن توقفوا عما أمرهم به وأقدموا على ما نهاهم عنه فله تأديبهم على المخالفة بحسب أحوالهم ولا يغلظ. فقد قال الله تعالى: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك".
وروى سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير دينكم أيسره".
والرابع أن لا ينازعوه في الغنائم إذا قسمها ويرضوا منه بتعديل القسمة عليهم فقد سوى الله تعالى فيها بين الشريف والمشروف، وماثل بين القوي والضعيف . وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "إن الناس اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين يقولون اقسم علينا فيئنا حتى ألجأه إلى شجرة فاختطف عنه رداؤه: فقال ردوا علي ردائي أيها الناس والله لو كان لكم عدد شجر تهامة نعماً لقسمته عليكم. وما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذوباً. ثم أخذ وبرة من سنام بعيره فرفعها وقال: يا أيها الناس والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس والخمس مردود فيكم. فأدوا الخيط والمخيط، فإن الغلول يكون على أهله عاراً وناراً وشناراً يوم القيامة. فرآه رجل من الأنصار بكبة من خيوط شعر، فقال: يا رسول الله أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة بغير لي قد برد فقال: أما نصيبي منها فلك، فقال أما إذا بلغت هذا فلا حاجة لي فيها ثم طرحها بين يديه".
والقسم الخامس من أحكام هذه الإمارة مصابرة الأمير قتال العدو ما صابر وإن تطاولت به المدة، ولا يولي عنه وفيه قوة قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون".
وفيه ثلاثة تأويلات: أحدها؛ اصبروا على طاعة الله وصابروا أعداء الله ورابطوا في سبيل الله، وهذا قول الحسن. والثاني: اصبروا على دينكم وصابروا الوعد الذي وعدكم ورابطوا عدوي وعدوكم وهذا قول محمد بن كعب والثالث: اصبروا على الجهاد وصابروا العدو ورابطوا بملازمة الثغر وهذا قول زيد بن أسلم. وإذا كنت مصابرة القتال من حقوق الجهاد فهي لازمة حتى يظفر بخصلة من أربع خصال: إحداهن أن يسلموا فيصير لهم بالإسلام ما لنا وعليهم ما علينا ويقروا على ما ملكوا من بلاد وأموال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها". وتصير بلادهم إذا أسلموا دار الإسلام يجري عليهم حكم الإسلام، ولو أسلم في معركة الحرب منهم طائفة قلت أو كثرت أحرزوا بإسلامهم ما ملكوا في دار الحرب من أرض ومال فإن ظهر الأمير على دار الحرب لم يغنم أموال من أسلم وقال أبو حنيفة: يغنم ما لا ينقل من أرض ودار، ولا يغنم ما ينقل من مال ومتاع وهو خلاف السنة.
وقد أسلم في حصار بني قريظة ثعلبة وأسيداً ابنا شعبة اليهوديان فأحرز إسلامهما أموالهما ويكون إسلامهما إسلاماً لصغار أولادهم ولكل حمل كان لهم. وقال أبو حنيفة إذا أسلم كافر في دار الإسلام لم يكن إسلاماً لصغار ولده، ولو أسلم في دار الحرب كان إسلاماً لصغار ولده ولا يكون إسلاماً للحمل وتكون زوجته والحمل فيئاً، ولو دخل مسلم دار الحرب فاشترى فيها أرضاً ومتاعاً لم يملك عليه إذا ظهر المسلمون عليها وكان مشتريها أحق بها. وقال أبو حنيفة يكون ما ملكه من أرض فيئاً، والخصلة الثانية أن يظفره الله تعالى بهم مع مقامهم على شركهم فتسبى ذراريهم وتغنم أموالهم ويقتل من لم يحصل في الأسر منهم.
ويكون في الأسرى مخيراً في استعمال الأصلح من أربعة أمور. أحدها: أن يقتلهم صبراً بضرب العنق، والثانية أن يسترقهم ويجري عليهم أحكام الرق من بيع أو عتق، والثالث: أن يفادي بهم على مال أو أسرى. والرابع: أن يمن عليهم ويعفو عنهم، قال الله تعالى: "إذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب".
وفيه وجهان: أحدهما: أنه ضرب رقابهم صبراً بعد القدرة عليهم. والثاني: أنه قتالهم بالسلاح والتدبير حتى يفضي إلى ضرب رقابهم في المعركة، ثم قال: "حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق".
يعني بالإثخان: الطعن ويشد الوثاق: الأسر.
"فإما منا بعد وإما فداء".
وفي المن قولان: أحدهما: أنه العفو والإطلاق كما من رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمامة بن أثال بعد أسره. الثاني: أنه العتق بعد الرق، وهذا قول مقاتل. وأما الفداء ففيه ههنا قولان: أحدهما: أنه المفاداة على مال يؤخذ أو أسير يطلق كما فادى الرسول صلى الله عليه وسلم أسرى بدر على مال وفادى في بعض المواطن رجلاً برجلين. والثاني: أنه البيع وهو قول مقاتل: "حتى تضع الحرب أوزارها".
وفيه تأويلان. أحدهما: أوزار الكفر بالإسلام. والثاني: أثقال الحرب وهو السلاح وفي المقصود بهذا السلاح الموضوع وجهان: أحدهما سلاح المسلمين بالنصر. والثاني سلاح المشركين بالهزيمة ولهذه الأحكام الأربعة شرح يذكر مع قسمة الغنيمة بعد. والخصلة الثالثة أن يبذلوا مالاً على المسالمة والموادعة؛ فيجوز أن يقبل منهم ويوادعهم على ضربين: أحدهما أن يبذلوه لوقتهم ولا يجعلوه خراجاً مستمراً، فهذا المال غنيمة لأنه مأخوذ بإيجاف خيل وركاب، فيقسم بين الغانمين ويكون ذلك أمان لهم في الانكفاف به عن قتالهم في هذا الجهاد ولا يمنع من جهادهم فيما بعد، والضرب الثاني أن يبذلوه في كل عام فيكون هذا خراجاً مستمراً ويكون الأمان به مستقراً والمأخوذ منهم في العام لأول غنيمة تقسم بين الغانمين وما يؤخذ في الأعوام المستقبلة يقسم في أهل الفيء، ولا يجوز أن يعاود جهادهم ما كانوا مقيمين على بذل المال لاستقرار الموادعة عليه، وإذا دخل أحدهم إلى دار الإسلام كان له يعقد الموادعة لأمان على نفسه وماله، فإن منعوا المال زالت الموادعة وارتفع الأمان ولزم جهادهم كغيرهم من أهل الحرب، وقال أبو حنيفة، لا يكون منعهم من مالك الجزية والصلح تقضا لأمانهم، لأنه حق عليهم فلا ينتقض العهد بمنعهم منهم كالديون، فأما حمل أهل الحرب هدية ابتدوها لم يصر لهم بالهدية عهد وجاز حربهم بعدها، لأن العهد ما كان عن عقد. والخصلة الرابعة أن يسألوا الأمان والمهادنة، فيجوز إذا تعذر الظفر بهم وأخذ المال منهم أن يهادنهم على المسالمة في مدة مقدرة يعقد الهدنة عليها إذا كان للإمام قد أذن له في الهدنة أو فوض الأمر إليه، قد هادن رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً عام الحديبية عشر سنين. ويقتصر في مدة الهدنة على أقل ما يمكن ولا يجاوز أكثرها عشر سنين، فإن هادنهم أكثر منها بطلت المهادنة فيما زاد عليها، ولهم الأمان فيها إلى انقضاء مدتها، ولا يجاهدون فيها ما أقاموا على العهد، فإن نقضوه صار حرباً يجاهدون من غير إنذار. قد نقضت قريش صلح الحديبية فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح محارباً حتى فتح مكة صلحاً عند الشافعي وعنوة عند أبي حنيفة، ولا يجوز إذا نقضوا عهدهم أن يقتل ما في أيدينا من رهائنهم. قد نقض الروم عهدهم زمن معاوية وفي يده رهائن فامتنع المسلمون جميعاً عن قتلهم وخلو سبيلهم وقالوا وفاء بغدر خير من غدر بغدر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة لمن ائتمنك، ولا تخن من خانك".
فإذا لم يجر قتل الرهائن لم يجز إطلاقهم ما لم يحاربهم فإذا حاربهم وجب إطلاق رهائنهم ثم ينظر فيهم، فإن كانوا رجالاً وجب إبلاغهم مأمنهم، وإن كانوا ذراري نساء وأطفالاً وجب إيصالهم إلى أهاليهم لأنهم أتباع لا ينفردون بأنفسهم، ويجوز أن يشترط لهم في عقد الهدنة رد من أسلم من رجالهم، فإذا أسلم أحد منهم رد إليهم إن كانوا مأمونين على دمه ولم يرد إليهم أن يؤمنوا عليه، ولا يشرط رد من أسلم من نسائهم لأنهن ذوات فروج محرمة، فإن اشترط ردهن لم يجز أن يردوا ودفع إلى أزواجهن مهورهن إذا طلقن. وإذا لم تدع إلى عقد المهادنة ضرورة لم يجز أن يهادنهم، ويجوز أن يوادعهم أربعة أشهر فما دون ولا يزيد عليها، لقوله تعالى: "فسيحوا في الأرض أربعة أشهر".
وأما الأمان الخاص فيصح أن يبذله كل مسلم من رجل وامرأة حر وعبد لقول صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم". يعني عبيدهم، وقال أبو حنيفة: لا يصح أمان العبد إلا أن يكون مأذوناً في القتال.
والقسم السادس من أحكام هذه الإمارة السيرة في نزال العدو وقتاله. ويجوز لأمير الجيش في حصار العدو أن ينصب عليهم العرادات والمنجنيقات. قد نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الطائف منجنيقان ويجوز أن يهدم عليهم منازلهم ويضع عليها البيات والتحريق، وإذا رأى في قطع نخالهم وشجرهم صلاحاً يستضعفهم به ليظفر بهم عنوة أو يدخلوا في السلم صلحاً فعل، ولا يفعل إن لم ير فيه صلاحاً، قد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم كروم أهل الطائف فكان سبباً في إسلامهم، وأمر في حرب بني النضير بقطع نوع من النخال يقال له الأصفر يرى نواه من وراء اللحاء وكانت اللحاء منها أحب إليهم من الوضيع فقطع بهم وحزنوا له وقالوا إنما قطعت نخلة وأحرقت نخلة، ولما قطع نخلة قال سماك اليهودي في ذلك من المتقارب:

ألسنا ورثنا الكـتـاب الـحـك
***
يم على عهد موسى فلم نصرف
أنتم رعـاء لـشـاء عـجـاف
***
بسهـل تـهـامة والأحـنـف
يرون الرعاية مـجـداً لـكـم
***
كذا كل دهر بكم مـجـحـف
فيا أيها الشـاهـدون انـتـهـو
***
عن الظلم والنطق المـوكـف
لعل الليالي وصـرف الـدهـو
***
ر تديل من العادل المنـصـف
بقتل الـنـضـير وإجـلائهـا
***
وعقر النخيل ولم تـخـطـف

فأجابه حسان بن ثابت من الوافر:

هم أوتوا الكتاب فضيعـوه
***
فهم عمي عن التوراة بور
كفرتم بالقرآن وقد أتاكـم
***
بتصديق الذي قال النـذير
فهان على سراة بني لوى
***
حريق بالبويرة مستطـير

فلما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بهم جل في صدور المسلمين وقالوا يا رسول الله: هل لنا فيما قطعنا من أجر؟ وهل علينا فيما تركناه من وزر؟ فأنزل الله تعالى: "ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين".
وفي لينة أربعة أقاويل: أحدها أنها النخلة من أي الأصناف كانت؟ وهذا قول مقاتل. والثاني أنها كرام النخل وهذا قول سفيان، والثالث أنها الفسيلة، لأنها ألين من النخلة، والرابع أنها جميع الأشجار للينها بالحياة، ويجوز أن يغور عليهم المياه ويقطعها عنهم وإن كان فيهم نساء وأطفال، لأنه من أقوى أسباب ضعفهم والظفر بهم عنوة وصلحاً، وإذا استسقى منهم عطشان كان الأمير مخيراً بين سقيه أو منعه كما كان مخيراً فيه بين قتله أو تركه. ومن قتل منهم واراه عن الأبصار ولم يلزم تكفينه، قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى بدر فألقوا في القليب؛ ولا يجوز أن يحرق بالنار منهم حياً ولا ميتاً.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تعذبوا عباد الله بعذاب الله".
وقد أحرق أبو بكر رضي الله عنه قوماً من أهل الردة، ولعل ذلك كان منه والخبر لم يبلغه، ومن قتل من شهداء المسلمين زمل في ثيابه التي قتل فيها ودفن بها ولم يغسل ولم يصل عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد: "زملوهم بكلومهم فإنهم يبعثون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دماً، اللون لون الدم والريح ريح المسك".
وإنما فعل ذلك بهم تكريماً لهم إجراء لحكم الحياة في ذلك قال الله تعالى: " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ".
وفيه تأويلان: أحدهما أنهم أحياء في الجنة بعد البعث وليسوا في الدنيا بأحياء. والثاني وهو قول الأكثرين أنهم بعد القتل أحياء الاستعمال لظاهر النص فرقاً بينهم وبين من لم يوصف بالحياة. ولا يمنع الجيوش في دار الحرب من أكل طعامهم وعلوفة دوابهم غير محتسب به عليهم، ولا يتعدوا القوت والعلوفة إلى ما سواهما من ملبوس ومركوب، فإن دعتهم الضرورة إلى ذلك كان ما لبسوه أو ركبوه أو استعملوه مسترجعاً منهم في المغنم إن كان باقياً ومحتسباً عليهم من سهمهم إن كان مستهلكاً؛ ولا يجوز لأحد منهم أن يطأ جارية من السبي إلا بعد أن يعطاها بسهمه فيطأها بعد الاستبراء، فإن وطئها قبل القسمة عزر ولا يحد لأن له فيها سهماً ووجب عليه مهر مثلها ويضاف إلى الغنيمة، فإن أحبلها لحق به ولدها وصارت به أم ولد له إن ملكها. لعدوه ولا يحكم عليه لأن أسباب الحكم ظاهرة وأسباب الشهادة خافية فانتفت التهمة عنه في الحكم وتوجهت إليه في الشهادة، وإذا مات القاضي انعزل خلفاؤه، ولو مات الإمام لم تنعزل قضاته، ولو اتفق أهل بلد قد خلا من قاض على أن قلدوا عليهم قاضياً، فإن كان إمام الوقت موجوداً بطل التقليد، وإن كان مفقوداً صح التقليد ونفذت أحكامه عليهم، فإن تجدد بعده نظره إمام لم يستدم النظر إلا بإذنه ولم ينقض ما تقدم من حكمه.