الباب التاسع عشر : في أحكام الجرائم : ب
 

الفصل الخامس في قود الجنايات وعقلها
الجنايات على النفوس ثلاثة: عمد، وخطأ؛ وعمد شبه خطأ.
فأما العمد المحض فهو أن يتعمد قتل النفس بما يقطع بحده كالحديد أو بما يمور في اللحم موز الحديد أو ما يقتل غالباً بثقله كالحجارة والخشب فهو قتل عمد يوجب الحد. قال أبو حنيفة العمد الموجب للقود ما قتل بحده من حديد وغيره وإذا مار في اللحم موراً، ولا يكون ما قتل بثقله أو ألمه من الأحجار والخشب عمداً ولا يوجب قوداً. وحكم العمد عند الشافعي أن يكون ولي المقتول حراً مع تكافؤ الدمين بين القود والدية. وقال أبو حنيفة لولي المقتول أن ينفرد بالقود وليست له لدية إلا عن مرضاة القاتل. وولي الدم هو وارث المال من ذكر أو أنثى بفرض أو تعصيب. وقال مالك أولياؤه ذكور الورثة دون إناثهم ولا قود لهم إلا أن يجتمعوا على استيفائه، فإن عفا أحدهم سقط القود وجبت الدية. وقال مالك لا يسقط، وإذا كان فيهم صغير أو مجنون لم يكن للبالغ والعاقل أن ينفرد بالقود وتكافؤ الدمين عند الشافعي أن لا يفضل القاتل على المقتول بحرية ولا إسلام، فإن فضل القاتل عليه بأحدهما فقتل حر عبداً أو مسلم كافراً فلا قود عليه، وقال أبو حنيفة لاعتبار بهذا التكافؤ فيقتل الحر بالعبد والمسلم بالكافر كما يقتل العبد بالحر والكافر بالمسلم وما فتحاماه النفوس من هذا وتأباه قد منع القائلين به من العمل عليه.
حكي أنه رفع إلى أبو يوسف القاضي مسلم قتل كافراً فحكم عليه بالقود فأتاه رجل برقعة فألقاها إليه فإذا فيها مكتوب من السريع:
يا قاتل المسلم بالـكـافـر *** جرت وما العادل كالجائر
يا من ببغداد وأطرافـهــا *** من علماء الناس أو شاعر
استرجعوا وابكوا على دينكم *** واصبروا فالأجر للصابـر
جاز على الدين أبو يوسـف *** بقتله المؤمن بالـكـافـر
فدخل أبو يوسف على الرشيد وأخبره الخبر وأقرأه الرقعة فقال له الرشيد تدارك هذا الأمر بحيلة لئلا تكون فتنة فخرج أبو يوسف وطالب أصحاب الدم ببينة على صحة الذمة وثبوتها فلم يأتوا بها فأسقط القود؛ والتوصل إلى مثل هذا سائغ عند ظهور المصلحة فيه.
ويقتل العبد بالعبد وإن فضلت قيمة القاتل على المقتول. وقال أبو حنيفة لا قود على القاتل إذا زادت قيمته على قيمة المقتول.
وإذا اختلف أديان الكفار قيد بعضهم ببعض. ويقاد الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل والكبير بالصغير والعاقل بالمجنون، ولا قود على صبي ولا مجنون ولا يقاد والد بولده ويقاد الولد بالوالد والأخ بالأخ.
وأما الخطأ المحض فهو أن يتسبب إليه في القتل من غير قصد، فلا يقاد القاتل بالمقتول كرجل رمى هدفاً فأمات إنساناً أو حفر بئراً فوقع فيها إنسان أو أشرع جناحاً فوقع على إنسان أو ركب دابة فرمحت ووطئت إنساناً أو وضع حجراً فعثر إنسان فهذا وما أشبهه إذا حدث عنه الموت قتل خطأ محض يوجب الدية دون القود، وتكون على عاقلة الجاني لا في ماله مؤجلة في ثلاث سنين من حين يموت القتيل. وقال أبو حنيفة من حين يحكم الحاكم بديته والعاقلة من عدا الآباء والأبناء من العصبات، فلا يحمله الأب وإن علا ولا الابن وإن سفل وجعل أبو حنيفة ومالك الآباء والأبناء من العاقلة، ولا يتحمل القاتل مع العاقلة شيئاً من الدية. وقال أبو حنيفة ومالك يكون القاتل كأحد العاقلة، والذي يتحمله الموسر منهم في كل سنة نصف دينار أو قدره من الإبل، ولا يتحمل الأوسط ربع دينار أو قدره من الإبل، ويتحمل الفقير شيئاً منها. ومن أيسر بعد فقره تحمل ومن افتقر بعد يساره لم يتحمل.
ودية نفس الحر المسلم إن قدرت ذهباً ألف دينار من غالب الدنانير الجيدة، وإن قدرت ورقاً إثنا عشر ألف درهم. وقال أبو حنيفة عشرة آلاف درهم، وإن كانت إبلاً فهي مائة بعير أخماساً، ومنها عشرون ابنة مخاض، وعشرون ابنة لبون، وعشرون ابن لبون وعشرون حقة؛ وعشرون جذعة، وأصل الدية الإبل وما عداها بدل. ودية المرأة على النصف من دية الرجال في النفس والأطراف.
واختلف في دية اليهودي والنصراني، فذهب أبو حنيفة إلى أنها كدية المسلم. وقال مالك نصف دية المسلم، وعند الشافعي أنها ثلث دية المسلم، وأما المجوسي فديته ثلثا عشر دية المسلم ثمانمائة درهم ودية العبد قيمته ما بلغت وإن زادت على دية الحر أضعافاً عند الشافعي. وقال أبو حنيفة لا أبلغ بها دية الحر إذا زادت وأنقص منها عشرة دراهم.
وأما العمد شبه الخطأ فهو أن يكون عامداً في الفعل غير قاصد للقتل كرجل ضرب رجلاً بخشبة أو رمى بحجر يجوز أن يسلم من مثلها أو يتلف فأفضى إلى قتله أو كمعلم ضرب صبياً بمعهود أو عزر السلطان رجلاً على ذنب فتلف فلا قود عليه في هذا القتل، وفيه الدية على العاقلة مغلظة وتغليظها في الذهب والورق أن يزاد عليها ثلثها، وفي الإبل أن تكون أثلاثاً منها ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحمل العاقلة عبداً ولا عمداً ولا صلحاً ولا اعترافاً".
ودية الخطأ المحض في الحرم والأشهر الحرم وذي الرحم مغلظة، ودية العمد المحض إذا عفى فيه عن القود على جمعهم فعليهم دية واحدة وإن كثروا؛ ولولي الدم أن يعفو عن من شاء من هم ويقتل باقيهم، وإن عفا عن جميعهم فعليهم دية واحدة تسقط عليهم على عدد رؤوسهم فإن كان بعضهم جارحاً أو موجئاً فالقود في النفس على الذابح والموجئ والجارح مأخوذ بحكم الجراحة دون النفس. وإذا قتل الواحد جماعة قتل بالأول ولزمته في ماله دية الباقين. وقال أبو حنيفة يقتل بجميعهم ولا دية عليه؛ وإذا قتلهم في حالة واحدة أقرع بينهم وكان القود لمن قرع منهم إلا أن يتراضى أولياؤهم على تسليم القود لأحدهم فيقاد له ويلزم في ماله ديات الباقين. وقال أبو حنيفة يقتل بجميعهم ولا دية عليه؛ وإذا قتلهم في حالة واحدة أقرع بينهم وكان القود لمن قرع منهم إلا أن يتراضى أولياؤهم على تسليم القود لأحدهم فيقاد له ويلزم في ماله ديات الباقين. وإذا أمر المطاع رجلاً بالقتل فالقود على الآمر والمأمور معاً، ولو كان الأمر غير مطاع كان القود على المأمور دون الآمر، وإذا أكره على القتل وجب القود على المكره. وفي وجوبه على المكره قولان:
وأما لقود في الأطراف فكل طرف قطع من مفصل ففيه القود فيقاد من اليد باليد والرجل بالرجل والأصبع والأنملة بالأنملة والسن بمثلها، ولا تقاد يمنى بيسرى ولا علياً بسفلى ولا ضرس بسن ولا ثنية برباعية، ولا يؤخذ بسن من قد ثغر سن من لم يثغر، ولا تؤخذ يد سليمة بيد شلاء ولا بلسان ناطق بلسان أخرس، وتؤخذ اليد الكتابة والصانعة بيد من ليس بكاتب ولا صانع. وتؤخذ العين بالعين وتؤخذ النجلاء بالحولاء والعشواء، ولا تؤخذ العين القائمة واليد الشلاء إلا بمثلها، ويقاد الأنف الذي يشم بالأنف الأخشم وأذن السميع بأذن الأصم. وقال مالك لا قود عليه ويقاد من العربي بالعجمي ومن الشريف بالدنيء.
فإن عفى عن القود بهذه الأطراف إلى الدية ففي اليدين الدية الكاملة وفي أحدهما نصف الدية، وفي كل أصبع عشر الدية وهو عشر من الإبل، وفي كل واحدة من أنامل الأصابع ثلاثة وثلث إلا أنملة الإبهام ففيها خمس من الإبل ودية اليدين كالرجلين إلا في أناملهما فيكون في كل أنملة منها خمس من الإبل. وفي العينين الدية وفي إحداهما نصف الدية، ولا فضل لعين الأعور على من ليس بأعور، وأوجب مالك رحمه الله في عين الأعور جميع الدية، وفي الجفون الأربع جميع الدية، وفي كل واحد منها ربع الدية وفي الأنف الدية. وفي إحداهما نصف الدية وف اللسان الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين ربع الدية وفي كل سن خمس من الإبل، ولا فضل لسن على ضرس ولا لثنية على ناجذ وفي إذهاب السمع الدية فإن قطع أذنية فأذهب سمعة فعليه ديتان، وكذلك لو قطع أنفه فأذهب شمه فعليه ديتان، وفي إذهاب الكلام الدية. فإن قطع لسانه فأذهب كلامه فعليه دية واحدة. وفي إذهاب العقل الدية. وفي إذهاب الذكر الدية، وذكر الخصي ومعنين وغيرهما سواء وقال أبو حنيفة في ذكر العنين والخصي حكومة، وفي الانثيين الدية وفي إحداهما نصف الدية، وفي ثديي المرأة ديتها، وفي إحداهما نصف الدية وفي ثدي الرجل حكومة. وقيل دية.
وأما الشجاج، فأولها الخارصة وهي التي أخذت في الجلد، ولا قود فيها ولا دية وفيها حكومة. ثم الدامية، وهي التي أخذت في الجلد وأدمت وفيها حكومة ثم الدامغة، وهي التي قد خرج دماؤها من قطع الجلد كالدامغة وفي وفيها حكومة. ثم المتلاحمة، وهي التي قطعت وأخذت في اللحم وفيها حكومة. ثم الباضعة وهي التي قطعت اللحم بعد الجلد وفيها حكومة. ثم السمحاق، وهي التي قطعت جميع اللحم بعد الجلد وأبقت على عظم الرأس غشاوة رقيقة وفيها حكومة. حكومات هذه الشجاج تزيد على حسب ترتيبها، ثم الموضحة، وهي التي قطعت الجلد واللحم الغشاوة وأوضحت عن العظم فقبها القود، فإن عفى عنها ففيها خمس من الإبل. ثم الهاشمة، وهي التي أوضحت عن اللحم حتى ظهر وهشمت عظم الرأس حتى تكسر وفيها عشر من الإبل، فإن أراد القود من الهشم لم يكن له، وإن أراده من الموضحة قيد له منها وأعطى في زيادة الهشم خمساً من الإبل. وقال مالك في الهشم حكومة. ثم النقلة، وهي التي أوضحت وهشمت حتى شظى العظم وزال عن موضعه واحتاج إلى نقله وإعادته وفيها خمس عشرة من الإبل، فإن استقاد من الموضحة أعطى في الهشم والتنقيل عشراً من الإبل. ثم المأمومة وتسمى الدامغة، وهي التي وصلت إلى أم الدماغ وفيها ثلث الدية.
وأما جراح الجسد فلا تقدر دية شيء منها إلا الجافية. وعلى الواصلة إلى الجوف وفيها ثلث الدية، ولا قود في جراح الجسد إلا الموضحة عن عظم ففيها حكومة. وإذا قطعت أطرافه فاندملت وجبت عليه دياتها وإن كانت أضعاف دية النفس، ولو مات منها قبل اندمالها كانت عليه دية النفس وسقط ديات الأطراف، ولو مات بعد اندمال بعضها وجبت عليه دية النفس فيما لم يندمل مع دية الأطراف، وفيما اندمل من لسان الأخرس ويد الأشل والأصبع الزائد والعين القائمة حكومة، والحكومة في جميع ذلك أن يقوم الحاكم المجني عليه لو كان عبداً لم يجن عليه ثم يقومه لو كان عبداً بعد الجناية عليه ويعتبر ما بين القيمتين من ديته فيكون قدر الحكومة في جنايته. وإذا ضرب بطن امرأة فألقت من الضرب جنيناً ميتاً ففيه إذا كان حراً غرة عبد أو أمة تحملها العاقلة، ولو كان مملوكاً ففيه عشر قيمة أمه يستوي فيه الذكر والأنثى، فإن استهل الجنين صار خاص ففيه الدية كاملة. ويفرق بين الذكر والأنثى، وعلى كل قال نفس ضمن بديتها الكفارة عامداً كان أو خاطئاً. وأوجبها أبو حنيفة على الخاطئ، دون العامد والكفارة عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المضرة بالعمل، فإن أعوزها صام شهرين متتابعين، فإن عجز عنه أطعم ستين مسكيناً في أحد القولين، ولا شيء عليه في القول الآخر وإذا ادعى قوم قتلاً على قوم ومع الدعوى لوث واللوث أن يعنوا بالدعوى ما يوقع في النفس صدق المدعي فيصير القول باللوث وقول المدعي فيحلف خمسين يميناً ويحكم له بالدية دون القود، ولو نكل المدعي عن اليمين أو بعضها حلف عليه خمسين يميناً وبرئ. وإذا وجب القود في نفس أو طرف لم يكن لوليه أن ينفرد باستيفائه إلا بإذن السلطان. فإن كان في طرف لم يمكنه السلطان من استيفائه حتى يتولاه غيره، وأجره الذي يتولاه في مال المقتص منه دون المقتص له. وقال أبو حنيفة تكون في مال المقتص له دون المقتص منه، فإن كان القصاص في نفس جاز أن يأذن له السلطان في استيفائه بنفسه إذا كان ثابت النفس وإلا استوفاه السلطان له بأومى سيف وأمضاه، فإن تفرد ولي القود باستيفائه من نفس أو طرف ولم يتعد عزره السلطان لافتياته عليه وقد صار إلى حقه بالقود فلا شيء عليه.
الفصل السادس التعزير
والتعزير تأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود، ويختلف حكمه باختلاف حاله وحال فاعله، فيوافق الحدود من وجه وهو أنه تأديب استصلاح وزجر يختلف بحسب اختلاف الذنب ويخالف الحدود من ثلاثة أوجه: أحدها أن تأديب ذي الهيبة من أهل للصيانة أخف من تأديب أهل البذاء والسفاهة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم".
فتدرج الناس على منازلهم: فإن تساووا في الحدود المقدرة فيكون تعزيز من جل قدره بالإعراض عنه، وتعزيز من دونه بالتعنيف له وتعزيز من دونه بزواجر الكلام وغاية الاستخفاف الذي لا قذف فيه ولا سب، ثم يعدل بمن دون ذلك إلى الحبس الذي يحبسو فيه على حسب ذابهم وبحسب هفواتهم، فمنهم من يحبس يوماً، ومنهم تقدر غايته بشهر للاستبراء والكشف وبستة أشهر للتأديب والتقويم ثم يعدل بمن دون ذلك إلى النفي والإبعاد إذا تعدت ذنوبة إلى اجتذاب غيره إليها واستضراره بها.
واختلف في غاية نفيه وإبعاده. فالظاهر من مذهب الشافعي تقدر بما دون الحول ولو بيوم واحد لئلا يصير مساوياً لتعزير الحول في الزنا، وظاهر مذهب مالك أنه يجوز أن يزاد فيه على الحول بما يرى من أسباب الزواجر ثم يعدل بمن دون ذلك إلى الضرب ينزلون فيه على حسب الهفوة في مقدار الضرب وبحسب الرتبة في الامتهان والصيانة.
واختلف في أكثر ما ينتهي إليه الضرب في التعزيز، فظاهر مذهب الشافعي أن أكثره في الحر تسعة وثلاثون سوطاً لينقص عن أقل الحدود في الخمر، فلا يبلغ بالحر أربعين وبالعبد عشرين. وقال أبو حنيفة. أكثر التعزير تسعة وثلاثون سوطاً في الحر والعبد وقال أبو يوسف أكثره خمسة وسبعون. وقال مالك لا حد لأكثره، ويجوز أن يتجاوز به أكثر الحدود وقال أبو عبد الله الزبيري تعزير كل ذنب مستنبط من حده المشروع فيه وأعلاه خمسة وسبعون يقصر به عن حد القذف بخمسة أسواط، فإن كان الذنب في التعزير بالزنا روعي منه ما كان، فإن أصابوهما بأن نالهم منها ما دون الفرج ضربوهما أعلى التعزير وهو خمسة وسبعون سوطاً، وإن وجدوهما في إزار غير متباشرين ضربوهما أربعين سوطاً وإن وجدوهما خاليين في بيت عليهما ثيابهما ضربوهما ثلاثين سوطاً، وإن وجدوهما في طريق يكلمها وتكلمه ضربوهما عشرين سوطاً، وإن وجدوه يتبعها ولم يقفوا على غير ذلك تحققوا، وإن وجدوهما يشير إليها وتشير إليه بغير كلام ضربوهما عشرة أسواط، وهكذا يقول في التعزير بسرقة ما لا يجب فيه القطع، فإذا سرق نصاباً من غير حرز ضرب أعلى التعزير خمسة وسبعين سوطاً. وإذا سرق من حرز أقل من نصاب ضرب ستين سوطاً. وإذا سرق أقل من نصاب من غير حرز ضرب خمسين سوطاً، فإذا جمع المال في الحرز واسترجع منه قبل إخراجه ضرب أربعين سوطاً، وإذا نقب الحرز ودخل ولم يأخذ ضرب ثلاثين سوطاً. وإذا نقب الحرز ولم يدخل ضرب عشرين سوطاً، وإذا تعرض للنقب أو لفتح باب ولم يكمله ضرب عشرة أسواط. وإذا وجد معه منقب أو كان مراصد للمال يحقق ثم على هذه العبارة فيما سوى هذين وهذا الترتيب وإن كان مستحسناً في الظاهر فقد تجرد الاستحان فيه عن دليل يتقدر به وهذا الكلام في أحد الوجوه التي يختلف فيها الحد والعزير.والوجه الثاني أن الحد وإن لم يجز العفو عنه ولا الشفاعة فيه فيجوز في التعزير العفو عنه وتسوغ الشفاعة فيه، فإن تفرد التعزير بحق السلطنة حكم التقويم ولم يتعلق به حتى لآدمي جاز لولي الأمر أن يراعي الأصلح في العفو أو التعزير وجاز أن يشفع فيه من سأل العفو عن الذنب. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اشفعوا إلي ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء".ولو تعلق بالتعزير حتى لآدمي كالتعزير في الشتم والمواثبة ففيه حق للمشئوم والمضروب وحق السلطنة للتقويم والتهذيب، فلا يجوز لولي الأمر أن يسقط بعفوه حق المشئوم والمضروب، وعليه أن يستوفي له حقه من تعزير الشاتم والضارب، فإن عفا المضروب والمشئوم كان ولي الأمر بعد عفوهما على خياره في فعل الأصلح من التعزير تقويماً والصفح عنه عفواً، فإن تعافوا عن الشتم والضرب قبل الترافع إليه سقط التعزير الآدمي: واختلف في سقوط حق السلطنة عنه والتقويم على الوجهين.
أحدهما وهو قول أبي عبد الله الزبيري أنه يسقط وليس لولي الأمر أن يعزر فيه لأن حد القذف أغلظ ويسقط حكمه بالعفو فكان حكم التعزير بالسلطنة أسقط.
والوجه الثاني وهو الأظهر أن لولي الأمر أن يعزر فيه مع العفو قبل الترافع إليه كما يجوز أن يعزر فيه مع العفو بعد الترافع إليه مخالفة للعفو عن حد القذف في الموضعين لأن التقويم من حقوق المصلحة العامة ولو تشاتم وتواثب والد من ولد سقط تعزير الوالد في حق الولد ولم يسقط تعزير الولد في الوالد كما لا يقتل الوالد بولده، ويقتل الولد بوالده وكان تعزير الأب مختصاً بحق السلطنة والتقويم لا حق فيه للولد، ويجوز لولي الأمر أن ينفرد بالعفو عنه وكان تعزير الولد مشتكراً بين حق الولد وحقوق السلطنة فلا يجوز لولي الأمر أن ينفرد بالعفو عنه مع مطالبة الوالد به حتى يستوفيه له وهذا الكلام في الوجه الثاني الذي يختلف فيه الحد والتعزير.
والوجه الثالث أن الحد وإن كان ما حدث عنه من التلف هدراً فإن التعزير يوجب ضمان ما حدث عنه من التلف، قد أرهب عمر بن الخطاب امرأة فأخمصت بطنها فألقت جنينها ميتاً فشاور علياً عليه السلام وحمل دية جنينها.
واختلف في محل دية التعزير: فقيل تكون على عاقلة ولي الأمر، وقيل تكون في بيت المال، فأما الكفارة ففي ماله إن قيل إن الدية على عاقلته، وإن قيل إن الدية في بيت المال ففي محل الكفارة وجهان: أحدهما في ماله. والثاني في بيت المال، وهكذا المعلم إذا ضرب صبياً أدباً معهوداً في العرف فأفضى إلى تلفه ضمن دينه على عاقلته والكفارة في ماله. ويجوز للزوج ضرب زوجته إذا نشزت عنه، فإن تلفت من ضربه ضمن ديتها على عاقلته إلا أن يتعمد قتلا فيقاد بها.
وأما صفة الضرب في التعزير فيجوز أن يكون بالعصا وبالسوط الذي كسرت ثمرته كالحد. واختلف في جوازه بسوط لم تكسر ثمرته فذهب الزبيري إلى جوازه فإن زاد في الصفة على ضرب الحدود وأنه يجوز أن يبلغ به إنهار الدم، وذهب جمهور أصحاب الشافعي رضي الله عنه إلى حظره بسوط لم تكسر ثمرته ولأن الضرب في الحدود أبلغ وأغلظ وهو كذلك محظور فكان في التعزير أولى أن يكون محظوراً ولا يجوز أن يبلغ بتعزيز إنهار الدم وضرب الحد يجب أن يفرق في البدن كله بعد توقي المواضع القاتلة ليأخذ كل عضوا نصيبه من الحد، ولا يجوز أن يجمع في موضع وحد من الجسد واختلف في ضرب التعزير فأجراه جمهور أصحاب الشافعي مجرى الضرب في تفريقه وحظر جمعه، وخالفهم الزبيري فجوز جمعه في موضع واحد من الجسد لأنه لما جاز إسقاطه عن جميع الجسد جاز إسقاطه عن بعضه بخلاف الحد ويجوز أن يصل في التعزير حياً قد صلب رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم رجلاً على جبل يقال له أبو ناب. ولا يمنع إذا صلب أداء طعام ولا شراب ولا يمنع من الوضوء للصلاة ويصلي مومياً ويعيد إذا أرسل ولا يتجاوز بصلبه ثلاثة أيام، ويجوز في نكال التعزير أن يجر من ثيابه إلا قدر ما يستر عورته ويشهر في الناس وينادى عليه بذنبه إذا تكرر منه ولم يتب، ويجوز أن يحلق شعره ولا يجوز أن تحلق لحيته. واختلف في جواز تسويد وجوههم؛ فجوزه الأكثرون، ومنع منه الأقلون.