فصل في خِتانه صلى الله عليه وسلم.
 
وقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه وُلد مختوناً مسروراً، وروي في ذلك حديث لا يصح ذكره أبو الفرج بن الجوزي في ((الموضوعات)) وليس فيه حديث ثابت، وليس هذا من خواصه، فإن كثيراً من النّاس يُولد مختوناً.
وقال الميموني: قلت لأبي عبد اللّه: مسألة سئلتُ عنها: خَتَّان ختن صبياً، فلم يستقص؟ قال: إذا كان الختان جاوز نصف الحشفة إلى فوق، فلا يعيد، لأن الحشفة تغلظ، وكلما غلظت ارتفع الختان. فأمّا إذا كان الختان دون النصف، فكنتُ أرى أن يعيد. قلت: فإن الإِعادة شديدة جداً، وقد يُخاف عليه من الإِعادة؟ فقال: لا أدري، ثم قال لي فإن هاهنا رجلاً ولد له ابنٌ مختون، فاغتمَّ لذلك غماً شديداً، فقلت له: إذا كان اللّه قد كفاك المؤنة،فما غمُّكَ بهذا؟! انتهى. وحدثني صاحبنا أبو عبد اللّه محمد بن عثمان الخليلي المحدِّث ببيت المقدس أنه وُلِدَ كذلك، وأن أهله لم يختنوه، والناس يقولون لمن ولد كذلك: خَتَنَهُ القمر، وهذا من خرافاتهم.
القول الثاني: أنّه خُتِنَ صلى الله عليه وسلم يومَ شَقَّ قلبَه الملائكةُ عند ظئره حليمة.
القول الثالث: أن جدّه عبد المطلب خَتَنَهُ يومَ سابعه، وصنع له مأدُبة وسمّاه محمّداً.
قال أبو عمر بن عبد البرّ: وفي هذا الباب حديث مسند غريب، حدثناه أحمد بن محمد بن أحمد، حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا يحيى بن أيوب العلاف، حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني، حدثنا الوليد بن مسلم، عن شعيب، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن عبد المطلب ختن النبي صلى الله عليه وسلم يومَ سابعه، وجعل له مأدُبه، وسمَّاه محمداً، صلى الله عليه وسلم قال يحيى بن أيوب: طلبت هذا الحديث فلم أجده عند أحد من أهل الحديث ممن لقيته إلا عند ابن أبي السري، وقد وقعت هذه المسألة بين رجلين فاضلين، صنف أحدهما مصنفاً في أنه ولد مختوناً وأجلب فيه من الأحاديث التي لا خِطام لها ولا زِمام، وهو كمال الدين بن طلحة، فنقضه عليه كمال الدين بن العديم، وبين فيه أنه صلى الله عليه وسلم خُتِنَ على عادة العرب، وكان عموم هذه السُّنَّة للعرب قاطبة مغنياً عن نقل معين فيها، واللّه أعلم.