فصل في هديه صلى الله عليه وسلم عند قضاء الحاجة
 
كان إذا دخل الخلاء قال: ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ والخَبَائِثِ)) ((الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)).
وكان إذا خرج يقول: ((غُفْرَانَكَ)).
وكان يستنجي بالماء تارة، ويستجمِر بالأحجار تارة، ويجمع بينهما تارة.
وكان إذا ذهب في سفره للحاجة، انطلق حتى يتوارَى عن أصحابه، وربما كان يبعُد نحو الميلين.
وكان يستتِر للحاجة بالهدف تارة، وَبِحَائِشِ النَّخل تارة، وبشجر الوادي تارة.
وكان إذا أراد أن يبول في عزَازٍ من الأرض - وهو الموضع الصلب - أخذ عوداً من الأرض، فنكت به حتى يُثَرَّى، ثم يبول.
وكان يرتاد لبوله الموضع الدَّمِثَ - وهو اللين الرخو من الأرض - وأكثر ما كان يبول وهو قاعد، حتى قالت عائشة: ((مَنْ حدَّثَكم أنه كان يُبول قائماً، فلا تُصدِّقوه، ما كان يبولُ إلا قاعدا)) وقد روى مسلم في ((صحيحه)) من حديث حذيفة أَنّهُ بَالَ قَائِماً. فقيل: هذا بيان للجواز وقيل: إنما فعله مِن وجع كان بِمَأْبِضَيْهِ. وقيل: فعله استشفاءً. قال الشافعي رحمه اللّه: والعرب تستشفي منِ وجع الصلب بالبول قائماً، والصحيح أنه إنما فعل ذلك تنزهاً وبُعداً من إصابة البول، فإنه إنما فعل هذا لما أتى سُباطة قوم وهو ملقى الكُناسة، وتسمى المزبلة، وهي تكون مرتفعة، فلو بال فيها الرجل قاعداً، لارتد عليه بولُه، وهو صلى الله عليه وسلم استتر بها، وجعلها بينه وبين الحائط، فلم يكن بدٌ من بوله قائماً، واللّه أعلم.
وقد ذكر الترمذي عن عمر بن الخطاب قال: رآني النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائماً، فقال: ((يا عمر لا تَبُلْ قائماً))، قال، فما بلت قائماً بعدُ. قال الترمذي: وإنما رفعه عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيف عند أهل الحديث.
وفي ((مسند البزار)) وغيره، من حديث عبد اللّه بن بُريدة عن أبيه، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: ((ثَلاَثٌ مِنَ الجَفَاءِ: أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِماً، أَوْ يَمْسَحَ جَبْهَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاَتِهِ، أَوْ يَنْفُخَ في سُجُودِهِ)). ورواه الترمذي وقال: هو غير محفوظ، وقال البزار: لا نعلم من رواه عن عبد اللّه بن بريدة إلا سعيد بن عبيد اللّه، ولم يجرحه بشيء. وقال ابن أبي حاتِم: هو بصري ثقة مشهور.
وكان يخرج من الخلاء، فيقرأ القرآن، وكان يستنجي، ويستجمِر بشماله، ولم يكن يصنع شيئاً مما يصنعه المبتلون بالوسواس من نَتْر الذَّكَرِ، والنحنحة، والقفز، ومسك الحبل، وطلوع الدرج، وحشو القطن في الإِحليل، وصب الماء فيه، وتفقده الفينة بعد الفينة، ونحوِ ذلك مِن بِدَعِ أهلِ الوسواس. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا بَالعَ، نَتَرَ ذَكَره ثلاثاً. وروي أنه أمر به، ولكن لا يصح من فعله ولا أمره. قاله أبو جعفر العُقيلي.
وكان إذا سلم عليه أحد وهو يبُول، لم يردَّ عليه، ذكره مسلم في ((صحيحه)) عن ابن عمر.
وروى البزار في ((مسنده)) في هذه القصة أنه ردَ عليه، ثم قال ((إنَّما رَدَدْتُ عَلَيْكَ خَشْيَةَ أَنْ تَقُولَ: سلَّمتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ سَلاَماً، فَإذَا رَأَيْتَنِي هكذا، فَلاَ تُسَلِّمْ عَلَيَّ، فَإنِّي لاَ أَرُدُّ عَلَيْكَ السَّلاَمَ)). وقد قيل: لعل هذا كان مرتين، وقيل: حديث مسلم أصح، لأنه من حديث الضحاك بن عثمان، عن نافع، عن ابن عمر، وحديث البزار من رواية أبي بكر رجل من أولاد عبد اللّه بن عمر، عن نافع، عنه. قيل: وأبو بكر هذا: هو أبو بكر بنُ عمر بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عمر، روى عنه مالك وغيره، والضحاك أوثق منه.
وكان إذا استنجى بالماء، ضرب يده بعد ذلِكَ على الأرض، وكان إذا جلس لحاجته، لم يرفع ثوبَه حتَّى يدنو مِن الأرض.