فصل في كراهة تخصيص يوم الجمعة بالصوم
 
وكان من هَدْيه صلى اللَّه عليه وسلم، كراهةُ تخصيصِ يومِ الجُمْعَةِ بالصَّومِ فِعلاً منه وقولاً، فصح النهىُّ عن إفراده بالصَّوم، من حديث جابر بن عبد اللَّه، وأبى هريرة، وجُويرية بنت الحارث، وعبد اللَّه بن عمرو، وجُنادة الأزدى وغيرهم، وشرب يومَ الجمعة وهو على المنبر، يُريهم أنه لا يصومُ يومَ الجمعة، ذكره الإمام أحمد، وعلل المنع من صومه بأنه يومُ عيد، فروى الإمام أحمد، من حديث أبى هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((يَوْمُ الجُمْعَةِ يَوْمُ عِيدٍ، فَلاَ تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُم يَوْمَ صِيامِكُم إلاَّ أَنْ تَصُومُوا قَبْلَه أَوْ بَعْدَه)) .
فإن قيل: فيومُ العيد لا يُصام مع ما قبله ولا بعده . قيل: لما كان يومُ الجمعة مشبَّهاً بالعيد، أخذ من شبهه النهى عن تحرِّى صيامِه، فإذا صامَ ما قبله أو ما بعده، لم يكُنْ قد تحرَّاه، وكان حكمُه حكمَ صوم الشهر، أو العشر منه، أو صوم يومٍ، وفطر يوم، أو صوم يوم عرفة وعاشوراء إذا وافق يومَ جمعة، فإنه لا يُكره صومُه فى شئ من ذلك .
فإن قيل: فما تصنعون بحديث عبد اللَّه بن مسعود؟ قال ((ما رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُفطِر فى يَوْمِ الجُمُعَةِ)) رواه أهل السنن. قيل: نقبله إن كان صحيحاً، ويتعيَّن حملُه على صومه مع ما قبله أو بعده، ونردُّه إن لم يصح، فإنه من الغرائب . قال الترمذى: هذا حديث حسن غريب .