فصل في عذر مَن قال إنه صلى الله عليه وسلم اعتمر عُمْرة حلَّ منها
 
وأما مَن قال : إنه اعتمر عُمْرة حلَّ منها ، كما قاله القاضى أبو يعلى ومَنْ وافقه ، فعذرُهم ما صحَّ عن ابن عمر وعائشة ، وعِمرانَ بنِ حصين وغيرهم أنه صلى الله عليه وسلم تمتَّع ، وهذا يحتمِل أنه تمتُّعٌ حَلَّ منه ، ويحتمل أنه لم يَحِلَّ ، فلما أخبر معاويةُ أنه قصر عن رأسه بمِشْقَص على المروة ، وحديثه فى (( الصحيحين )) دلَّ على أنه حَلَّ من إحرامه ، ولا يُمكنُ أن يكونَ هذا فى غير حَجَّةِ الوداع ، لأن معاوية إنما أسلم بعد الفتح ، والنبىُّ صلى الله عليه وسلم لم يكن زمن الفتح مُحرِماً ، ولا يمكن أن يكون فى عُمْرة الجعْرانةِ لوجهين :
أحدهما : أن فى بعض ألفاظ الحديثِ الصحيح : (( وذلك فى حَجَّته )) .
والثانى : أن فى رواية النسائى بإسناد صحيح : (( وذلك فى أيام العشر )) ، وهذا إنما كان فى حَجته ، وحمل هؤلاء رواية مَن روى أن المتعة كانت له خاصة ، على أن طائفةً منهم خصُّوا بالتحليل من الإحرام مع سَوْق الهَدْى دون مَنْ ساق الهَدْىَ من الصحابة ، وأنكر ذلك عليهم آخرون ، منهم شيخُنا أبو العباس. وقالوا : مَن تأمل الأحاديث المستفيضة الصحيحة ، تبيَّن له أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَحِلَّ ، لا هو ولا أحدٌ ممن ساق الهَدْى .