فصل في موضع صلاته صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح صبيحة ليلة الوداع
 
وأما المسألة الثالثة: وهى موضِعُ صلاته صلى اللَّه عليه وسلم صلاة الصبح صبيحة ليلة الوداع، ففي ((الصحيحين)): عَن أمِّ سلمة، قالت: شكوتُ إلى رَسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أنِّى أشْتَكِى، فَقَالَ: ((طُوفي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ)). قالت: فطُفتُ ورسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم حِينئذ يُصلِّى إلى جنبِ البَيْتِ، وهُوَ يَقْرَأ بـ {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 1-2] فهذا يحتمِل، أن يكونَ في الفجر وفى غيرها، وأن يكونَ فى طواف الوَداعِ وغيرِه، فنظرنا في ذلك، فإذا البخاري قد روى في ((صحيحه)) في هذه القصة، أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد الخُروج، ولم تكن أُمُّ سلمة طافت بالبيت، وأرادتِ الخُروج، فقال لها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إذا أُقِيمَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ، فَطُوفِي عَلى بَعِيرِكِ، والنَّاسُ يُصَلُّونَ)) فَفَعَلَتْ ذَلِكَ فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى خَرَجَتْ. وهذا محال قطعاً أن يكون يومَ النحر، فهو طواف الوَداع بلا ريب، فظهر أنَّه صلَّى الصُّبْحَ يومئذ عند البيت، وسمعته أُم سلمة يقرأ فيها بالطور.
فصل
ثم ارتحل صلى اللَّه عليه وسلم راجعاً إلى المدينَةِ، فلما كانَ بالرَّوحَاءِ، لقى ركباً، فسلَّم عليهم، وقال: ((مَنِ القَوْمُ))؟ فَقَالُوا: المُسْلِمُونَ، قالوا: فَمَنِ القَوْمُ؟ فَقَالَ: ((رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم))، فَرَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبياّ لَهَا مِنْ مِحفَّتِها، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ أَلِهَذَا حَج؟ قال: ((نَعَمْ، ولَكِ أَجْرٌ)).
فلما أتى ذَا الحُلَيْفَةِ، باتَ بِهَا، فَلَمَّا رَأى المَدِينَةَ، كَبَّرَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وقال: ((لا إله إلاَّ اللَّهُ وًَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وهُوَ عَلى كُلِّ شَئٍ قَدِير، آيبِوُن تَائِبونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ، لِرَبِّنا حَامدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، ونَصَرَ عَبْدَهُ، وهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَه)). ثم دخلها نهاراً مِن طَرِيق المُعَرَّسِ، وخَرَج مِن طرِيق الشَّجَرَةِ واللَّه أعلم.