فصل في سـرية نَجْد
 
ثم بعثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خيلاً قِبَلَ نجد، فجاءت بثُمَامَةَ بنِ أُثال الحنيفى سيِّد بنى حنيفة، فربطه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى ساريةٍ من سوارى المسجد، ومَرَّ به، فقال: (( مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ )) ؟ فقال: يا مُحَمَّدُ؛ إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وإن تَنْعِمْ تَنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وإنْ كُنْتَ تُرِيدُ المال، فَسَلْ تُعطَ منه ما شئتَ، فتركه، ثم مرَّ به مرة أخرى، فقال له مِثْلَ ذلكَ، فردَّ عليه كما رَدَّ عليه أولاً، ثم مرَّ مرةً ثالثة، فقال: (( أطْلِقُوا ثُمَامَة ))، فأطلقُوه، فذهب إلى نخلٍ قريبٍ من المسجد، فاغتسل، ثم جاءه، فأسلم وقال: واللهِ ما كان على وجه الأرض وجهٌ أبغضَ إلىَّ من وجهك، فقد أصبحَ وجهُكَ أحبَّ الوُجوه إلىَّ، واللهِ ما كان على وجه الأرض دِينٌ أبغَضَ علىَّ مِن دينك، فقد أصبح دينُك أحبَّ الأديانِ إلىَّ، وإنَّ خيلك أخذتنى، وأنا أُريدُ العُمرة، فبشَّره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر، فلما قدم على قريشٍ، قالوا: صَبَوْتَ يا ثُمَامةُ ؟ قال: لا واللهِ، ولكنى أسلمتُ مع محمد صلى الله عليه وسلم، ولا واللهِ لا يأتيكم من اليمَامَةِ حَبَّةُ حِنطَةٍ حَتَّى يأذَنَ فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وكانت اليمامةُ ريفَ مكة، فانصرف إلى بلاده، ومنع الحملَ إلى مكة حتى جَهِدَتْ قريش، فكتبوا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يسألُونه بأرحامهم أن يكتُب إلى ثُمامةَ يُخلِّى إليهم حملَ الطعام، ففعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.