فصل في قصة صلح الحديبية
 
قال نافع: كانت سنةَ سِتٍّ فى ذى القَعدة، وهذا هو الصحيحُ، وهو قولُ الزهرى، وقتادةَ، وموسى بن عقبة، ومحمَّد بن إسحاق، وغيرهم.
وقال هشام بن عروة، عن أبيه: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الحُديبيةِ فى رمضان، وكانت فى شوَّال، وهذا وهم، وإنما كانت غزاةُ الفتح فى رمضان، وقد قال أبو الأسود عن عروة: إنها كانت فى ذى القَعدة على الصواب.
وفى (( الصحيحين )) عن أنس، أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم اعتمر أربَعَ عُمَر، كُلُّهُنَّ فى ذى القَعْدَةِ، فذكر منها عُمرة الحديبية.
وكان معهُ ألفٌ وخمسُمائة، هكذا فى (( الصحيحين )) عن جابر، وعنه فيهما: (( كانوا ألفاَ وأربعمائة )) وفيهما: عن عبد الله بن أبى أوفى: (( كُنَّا أَلْفاً وثَلاثمائة ))، قال قتادة: قلتُ لِسعيد بن المسيِّب: كم كان الذينَ شَهِدُوا بيعةَ الرِّضوان ؟ قال: خمسَ عشرةَ مائة. قال: قلتُ: فإن جابرَ بنَ عبد الله قال: كانُوا أربعَ عشرةَ مائة، قال: يرحمُه الله أوْهَمَ، هو حدَّثنى أنهم كانوا خمسَ عشرة مائة. قلت: وقد صح عن جابر القولانِ، وصح عنه أنَّهُم نحرُوا عام الحُديبية سبعينَ بَدَنةً، البدنةُ عن سبعةٍ، فقيل له: كم كنتُم ؟ قال: ألفاً وأربعمائة بخيلنا ورَجِلنا، يعنى فَارِسَهم وراجلهم، والقلبُ إلى هذا أميل، وهو قولُ البراء بن عازب، ومَعْقِلِ بنِ يسار، وسلمة ابنِ الأكوعِ فى أصحِّ الروايتين، وقولُ المسيِّب بن حَزْن، قال شعبةُ: عن قتادة، عن سعيد بن المسيِّب، عن أبيه: كنَّا معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تحتَ الشجرةِ ألفاً وأربَعمائة.
وغلط غلطاً بيِّناً مَن قال: كانوا سبعمائة، وعُذْرُه أنهم نحرُوا يومئذ سبعينَ بَدَنَةً، والبدنةُ قد جاء إجزاؤها عن سبعة وعن عشرة، وهذا لا يدُلُّ على ما قاله هذا القائل، فإنه قد صرَّح بأن البدنَة كانت فى هذه العُمْرة عن سبعة، فلو كانت السبعون عن جميعهم، لكانُوا أربعمائة وتسعين رجلاً، وقد قال فى تمام الحديث بعينه: إنَّهم كانُوا ألفاً وأربعمائة.