فصل في الاختلاف فى سبب تسمية هذه العُمرة بعُمرة القضاء
 
واختُلِفَ فى تسمية هذه العُمرة بعُمرة القضاء، هل هو لكونها قضاءً للعُمرة التى صُدُّوا عنها، أو من المقاضاة؟ على قولين تقدَّما، قال الواقدى: حدَّثنى عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: لم تكن هذه العُمرة قضاء، ولكن كان شرطاً على المسلمين أن يعتمِرُوا فى الشَّهر الذى حاصرهم فيه المشركون .
واختلف الفقهاءُ فى ذلك على أربعة أقوال:
أحدها: أن مَن أُحصر عن العُمرة يلزمه الهَدْى والقضاء، وهذا إحدى الروايات عن أحمد، بل أشهرُها عنه .
والثانى: لا قضاء عليه، وعليه الهَدْى، وهو قول الشافعى، ومالك فى ظاهر مذهبه، ورواية أبى طالب عن أحمد .
والثالث: يلزمه القضاء، ولا هَدْى عليه، وهو قول أبى حنيفة .
والرابع: لا قضاء عليه، ولا هَدْى، وهو إحدى الروايات عن أحمد .
فمَن أوجبَ عليه القضاء والهَدْىَ، احتج بأن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا الهَدْىَ حين صُدُّوا عن البيت، ثم قَضَوْا مِن قابل، قالوا: والعُمرة تلزم بالشروع فيها، ولا يسقط الوجوبُ إلا بفعلها، ونحر الهَدْى لأجل التحلل قبل تمامها، وقالوا: وظاهِرُ الآية يُوجب الهَدْى، لقوله تعالى: {فَإنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْىِ} [البقرة: 196]
ومَن لم يُوجبهما، قالوا: لم يأمرُ النبىُّ صلى الله عليه وسلم الذين أُحصروا معه بالقضاء ولا أحداً منهم، ولا وقف الحِلُّ على نحرهم الهَدْىَ، بل أمرهم أن يَحْلِقُوا رؤوسهم، وأمر مَن كان معه هَدْى أن ينحر هَدْيه .
ومَن أوجب الهَدْىَ دون القضاء احتج بقوله: {فَإنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْىِ}.
ومَن أوجب القضاء دون الهَدْى، احتج بأن العُمرة تلزم بالشروع، فإذا أُحْصِرَ، جاز له تأخيرُها لعذر الإحصار، فإذا زال الحصر، أتى بها بالوجوب السابق، ولا يُوجب تخلل التحلل بين الإحرام بها أولاً، وبين فعلها فى وقت الإمكان شيئاً، وظاهر القرآن يردُّ هذا القول، ويُوجب الهَدْىَ دون القضاء، لأنه جعل الهَدْىَ هو جميعَ ما على المُحْصَرِ، فدلَّ على أنه يُكتفى به منه. والله أعلم .