فصل في أن المُحْصَر ينحر هَدْيه حيث أُحْصِر
 
وفى ذبحه صلى الله عليه وسلم بالحُديبية وهى مِن الحل بالاتفاق، دليلٌ على أن المُحْصَرَ ينحر هَدْيه حيث أُحْصِرَ مِن حِل أو حَرَم، وهذا قولُ الجمهور وأحمد، ومالك، والشافعى.
وعن أحمد رحمه الله رواية أُخرى، أنه ليس له نحرُ هَدْيه إلا فى الحرم، فيبعثُه إلى الحرم، ويُواطئ رجلاً على أن ينحرَه فى وقت يتحلل فيه، وهذا يُروى عن ابن مسعود رضى الله عنه، وجماعة من التابعين، وهو قول أبى حنيفة.
وهذا إن صح عنهم فينبغى حملُه على الحصر الخاص، وهو أن يتعرَّضَ ظالِمٌ لجماعة أو لواحد، وأما الحصرُ العام، فالسُـنَّة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدلُّ على خلافه، والحُديبية من الحل باتفاق الناس، وقد قال الشافعى: بعضُها من الحل، وبعضُها من الحرم، قلت: ومراده أن أطرافها من الحرم وإلا فهى من الحل باتفاقهم.
وقد اختلف أصحابُ أحمد رحمه الله فى المُحْصَر إذا قدر على أطراف الحرم، هل يلزمه أن ينحر فيه؟ فيه وجهان لهم.
والصحيحُ: أنه لا يلزمُه، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نحرَ هَدْيَه فى موضعه مع قُدرته على أطراف الحرم، وقد أخبر اللهُ سبحانه أن الهَدْىَ كان محبوساً عن بلوغِ مَحلِّه، ونصبَ الهَدْى بوقوع فعل الصَّدِّ عليه، أى: صدُّوكم عن المسجد الحرام، وصدُّوا الهَدْى عن بلوغ محله، ومعلوم أن صَدَّهم وصدَّ الهَدْى استمر ذلك العام ولم يزل، فلم يَصِلُوا فيه إلى محل إحرامهم، ولم يَصِلِ الهدىُ إلى محل نحره، والله أعلم.