فصل لا يقلع حشيش مكة ما دام رطبا
 
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا يُخْتَلَى خلاها)) لا خلاف أن المراد مِن ذلك ما يَنْبُتُ بنفسه دون ما أنبته الآدميون، ولا يدخل اليابسُ فى الحديث، بل هو للرَّطبِ خاصة، فإن الخلا بالقصر: الحشيش الرطب ما دام رطباً، فإذا يبس، فهو حشيش، وأخلتِ الأرض، كَثُرَ خَلاها، واخْتلاء الخَلى: قطعه، ومنه الحديث: كان ابن عمر يَخْتَلِى لِفرسه، أى: يقطع لها الخَلى، ومنه سميت المِخلاة: وهى وعاء الخَلى، والإذخر: مستثنى بالنص، وفى تخصيصه بالاستثناء دليل على إرادة العموم فيما سواه.
فإن قيل: فهل يتناول الحديثُ الرعى أم لا؟
قيل: هذا فيه قولان، أحدهما: لا يتناولُه، فيجوز الرعىُ، وهذا قولُ الشافعىوالثانى: يتناولُه بمعناه، وإن لم يتناوله بلفظه، فلا يجوز الرعى، وهو مذهب أبى حنيفة، والقولان لأصحاب أحمد.
قال المحرِّمون: وأىُّ فرق بين اختلائه وتقديمه للدابة، وبين إرسالِ الدابة عليه ترعاه؟
قال المبيحون: لما كانت عادةُ الهَدَايا أن تدخل الحَرَم، وتكثُر فيه، ولم يُنقل قطُّ أنها كانت تُسَدُّ أفواهُها، دل على جواز الرعى.
قال المحرِّمون: الفرقُ بين أن يُرسلها ترعى، ويُسلطها على ذلك، وبين أن تَرعى بطبعها مِن غير أن يُسلِّطَهَا صاحِبُهَا، وهو لا يجب عليه أن يَسُدَّ أفواهها، كما لا يجب عليه أن يَسُدَّ أنفَه فى الإحرام عن شمِّ الطيب، وإن لم يجز له أن يتعمَّد شمَّه، وكذلك لا يجبُ عليه أن يمتنع من السير خشية أن يُوطئ صيداً فى طريقه، وإن لم يجز له أن يقصد ذلك، وكذلك نظائرهُ. فإن قيل: فهل يدخُلُ فى الحديث أخذ الكمأة والفقع، وما كان مغيباً فى الأرض؟
قيل: لا يدخل فيه، لأنه بمنزلة الثمرة، وقد قال أحمد: يُؤكل من شجر الحرم الضغابيسُ والعِشْرِق.