فصل فى جواز إجارة المرأة وأمانها للرجل والرجلين
 
وفى قصة الفتح من الفقه: جوازُ إجارة المرأةِ وأمانِها للرجل والرجلين،كما أجاز النبىُّ صلى الله عليه وسلم أمانَ أُمِّ هانىء لِحموَيْها.
وفيها من الفقه جوازُ قتل المرتد الذى تغلَّظت رِدَّتُه من غير استتابة، فإن عبد الله بن سعد بن أبى سرح كان قد أسلم وهاجر، وكان يكتُب الوحىَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ارتدَّ، ولحق بمكة، فلما كان يومُ الفتح، أتى به عثمانُ ابن عفان رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ليبايعه، فأمسك عنه طويلاً، ثم بايعه، وقال: ((إنما أمسكتُ عنه ليقوم إليه بعضُكُم فيضربَ عنقه))، فقال له رجل: هلاَّ أومأتَ إلىَّ يا رسول الله؟ فقال: ((مَا يَنْبَغِى لِنَبىٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُن))، فهذا كان قد تغلَّظ كفرُه برِدَّته بعد إيمانه، وهجرته، وكتابةِ الوحى، ثم ارتدَّ ولَحِقَ بالمشركين يطعن على الإسلام ويعيبُه، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُريدُ قتله، فلما جاء به عثمانُ بنُ عفان وكان أخاه مِن الرضاعة، لم يأمر النبىُّ صلى الله عليه وسلم بقتله حياءً مِن عثمان، ولم يُبايعه ليقوم إليه بعضُ أصحابه فيقتله، فهابُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يُقْدِمُوا على قتله بغير إذنه، واستحيى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من عثمان، وساعدَ القدرُ السَّابقُ لما يريد الله سبحانه بعبد الله مما ظهر منه بعد ذلك من الفتوح، فبايعه، وكان ممن استثنى الله بقوله: {كَيْفَ يَهْدِى اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أنَّ الرَّسُولَ حَقٌ وَجَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ، وَاللهُ لاَ يَهْدِى القَوْمَ الظَّالِمِينَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكََ وَأَصْلَحُواْ فَإنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحيمٌ}[آل عمران: 86-89]، وقوله صلى الله عليه وسلم:
((مَا يَنْبَغِى لِنَبىٍّ أَن تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ))، أى: أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم لا يُخالِفُ ظاهِرُه باطِنَه، ولا سِرُّه علانِيتَه، وإذا نفذ حكمُ اللهِ وأمرُه، لم يُومِ به، بل صرَّحَ به، وأَعلَنه، وأظهره.