فصل فى ذكر سرِيَّة علقمة بن مُجَزِّز المدلجى إلى الحبشة سنة تسع فى شهر ربيع الآخر
 
قالوا: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ ناساً من الحبشة تراياهم أهلُ جدة، فبعث إليهم علقمة بن مُجَزِّز فى ثلاثمائة، فانتهى إلى جزيرة فى البحر، وقد خاض إليهم البحر، فهربُوا منه، فلما رجع تعجَّل بعض القوم إلى أهليهم، فأذن لهم، فتعجَّل عبد الله بن حذافة السهمى، فأمَّره على مَن تعجَّل، وكانت فيه دُعابة، فنزلوا ببعض الطريق، وأوقدوا ناراً يصطلُون عليها، فقال: عزمتُ عليكم إلا تواثبتم فى هذه النار، فقام بعضُ القوم، فتجهَّزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها، فقال: اجلسوا إنما كُنتُ أضحكُ معكم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((مَنْ أَمَرَكُم بِمَعْصِيَةٍ فلا تُطِيعُوهُ)) .
قلت: فى (( الصحيحين )) عن علىّ بن أبى طالب قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّة، واستَعملَ عليهم رجلاً من الأنصار، وأمرهم أن يسمعوا له ويُطيعوا، فأغضبوه، فقال: اجمعوا لى حطباً، فجمعوا، فقال: أوقدوا ناراً، ثم قال: ألم يأمْركُم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لى؟ قالوا: بلى . قال: فادخلوها، فنظر بعضُهم إلى بعض، وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار، فكانُوا كذلك حتى سكن غضبُه، وطُفئت النار، فلما رجعوا، ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَداً))، وقال: ((لا طَاعَة فى مَعْصِيَة الله، إنَّمَا الطَّاعَةُ فى المَعْروف)) .
فهذا فيه أنَّ الأمير كان من الأنصار، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذى أمَّره، وأنَّ الغضب حمله على ذلك .
وقد روى الإمام أحمد فى ((مسنده)) عن ابن عباس، فى قوله تعالى: {أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء: 99 ، قال: نزلت فى عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدى، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سَرِيَّة، فإما أن يكونا واقعتين، أو يكون حديث علىّ هو المحفوظ .. والله أعلم .