فصل فى ذكر سَرِيَّة علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه إلى صنم طيئ ليهدمه فى هذه السنة
 
قالوا: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علىَّ بن أبى طالب فى مائة وخمسين رجلاً من الأنصار على مائة بعير، وخمسين فرساً، ومعه راية سوداء، ولواء أبيض إلى الفُلس، وهو صنم طيئ ليهدمه، فشنوا الغارَة على محلة آل حاتم مع الفجر، فهدموه، وملؤوا أيديَهم من السبى والنَّعَم والشاء، وفى السبى أختُ عدى بن حاتم، وهرب عدى إلى الشام، ووجدوا فى خزانته ثلاثة أسياف، وثلاثة أدراع، فاستعمل على السبى أبو قتادة، وعلى الماشية والرِّثَّةِ عبد الله بن عتيك، وقسم الغنائم فى الطريق، وعزل الصفى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقسم على آل حاتم حتى قَدِمَ بهم المدينة .
قال ابن إسحاق: قال عدى بن حاتم: ما كان رجل من العرب أشدَّ كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم منى حين سمعتُ به صلى الله عليه وسلم وكنت امرءاً شريفاً، وكنت نصرانياً، وكنت أسير فى قومى بالمرباع، وكنت فى نفسى على دين، وكنت ملكاً فى قومى، فلما سمعتُ برسول الله صلى الله عليه وسلم، كرهتُه، فقلت لغلام عربى كان لى، وكان راعياً لإبلى: لا أبا لك ؛ اعدد لى من إبلى أجمالاً ذللاً سماناً فاحبسها قريباً منى، فإذا سمعتَ بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذِنِّى، ففعل، ثم إنه أتانى ذات غداة، فقال: يا عدى ؛ ما كنتَ صانعاً إذا غشيتكَ خيلُ محمد، فاصنعه الآن، فإنى قد رأيتُ رايات، فسألت عنها فقالوا: هذه جيوشُ محمد . قال: فقلت: فقرِّب إلىَّ أجمالى، فقرَّبها، فاحتملتُ بأهلى وولدى، ثم قلت: ألحق بأهل دينى مِن النصارى بالشام، وخلفتُ بنتاً لحاتم فى الحاضرة، فلما قدمتُ الشام، أقمتُ بها، وتحالفنى خيلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتُصيبُ ابنة حاتم فيمن أصابت، فَقُدِمَ بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سبايا من طيئ، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربى إلى الشام، فمرَّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ؛ غاب الوافد، وانقطع الوالد، وأنا عجوز كبيرة، ما بى من خدمة، فَمُنَّ علىَّ، مَنَّ اللهُ عليك، قال: ((مَن وافدك))؟ قالت: عدىُّ بن حاتم . قال: ((الذى فَرَّ من الله ورسوله))؟ قالت: فَمُنَّ علىَّ . قال: فلما رجع ورجل إلى جنبه يُرى أنه علىّ، قال: سليه الحملان، قالت: فسألتُه، فأمر لها به . قال عدى: فأتتنى أُختى، فقالت: لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلُها، ائته راغباً أو راهباً، فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه، قال عدى: فأتيتُه وهو جالس فى المسجد، فقال القومُ: هذا عدىُّ بنُ حاتم، وجئتُ بغير أمان ولا كتاب، فلما دُفِعْتُ إليه، أخذ بيدى، وقد كان قبل ذلك قال:
((إنى أرجو أن يجعل الله يدَه فى يدى))، قال: فقام لى، فلقيَتْهُ امرأة، ومعها صبى، فقالا: إنَّ لنا إليكَ حاجة، فقام معهما حتى قضى حاجـتهما، ثم أخذ بيدى حتى أتى داره، فألقت له الوليدة وسادة، فجلس عليها، وجلستُ بين يديه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
((ما يُفِرُّكَ؟ أيُفِرُّكَ أن تقول: لا إله إلا الله، فهل تعلم من إله سوى الله))؟ قال: قلت: لا . قال: ثم تكلم ساعة، ثم قال: ((إنما تَفِرُّ أن يقال: الله أكبر، وهل تعلم شيئاً أكبرُ من الله))؟ قال: قلت: لا . قال: ((فإنَّ اليهود مغضوبٌ عليهم وإنَّ النصارى ضالون)) قال: فقلت: إنى حنيف مسلم . قال: فرأيتُ وجهه ينبسِطُ فرحـاً . قال: ثم أمرنى فأُنزلتُ عند رجل من الأنصار، وجعلتُ أغشاه، آتيه طرفى النهار، قال: فبينا أنا عنده، إذ جاء قوم فى ثياب من الصوف من هذه النمار، قال: فصلَّى وقام، فحثَّ عليهم، ثم قال: ((يا أيُّهَا النَّاسُ ؛ ارْضَخوا منَ الفَضْل ولَوْ بصَاع، ولَوْ بنِصْفِ صَاع، وَلَوْ بقَبْضَةٍ، وَلَو بِبَعْضِ قَبْضَةٍ، يقى أحَدُكُمْ وَجْهَهُ حَرَّ جَهَنَّمَ أَو النَّارَ وَلَوْ بِتَمْرَةٍ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرةٍ، فَإنْ لَمْ تَجِدوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، فَإنَّ أَحَدَكُم لاقى الله، وقائلٌ لَهُ مَا أَقُولُ لَكُمْ: أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ مَالاً وَوَلَداً؟ فيقول: بَلَى، فيقول: أيْنَ مَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ، فَيَنْظُرُ قُدَّامَهُ، وبَعْدَهُ وعَنْ يمينِهِ وعَنْ شِمَالِهِ، ثم لا يَجدُ شَيْئاً يقى به وَجْهَهُ حَرَّ جَهَنَّمَ، لِيقِ أحَدُكُمْ وَجْهَهُ النَّار وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فإنْ لَمْ يَجدْ فَبكلمةٍ طيِّبةٍ، فإنى لا أخافُ عَلَيْكُم الفَاقَة، فإنَّ الله نَاصِرُكُم ومُعْطيكم حَتَّى تَسيرَ الظَّعِينةُ مَا بَيْنَ يَثْرِبَ والحيرة، وأكثر ما يُخَافُ عَلَى مَطيَّتها السُّرّق))، قال: فجعلتُ أقول فى نفسى: فأين لصوص طيئ؟،