فصل فى خطبته صلى الله عليه وسلم بتَبُوك وصلاته
 
ذكر البيهقى فى ((الدلائل))، والحاكم من حديث عُقبة بن عامر، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تَبُوك، فاسترقد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليلة لمَّا كان منها عَلَى ليلة، فلم يستيقِظ فيها حتَّى كانت الشمسُ قِيدَ رُمـح قال: ((أَلَمْ أَقُلْ لَكَ يَا بِلالُ اكْلأ لَنا الفَجْرَ))، فقال: يا رسول اللهِ؛ ذهب بى من النومِ الذى ذَهَبَ بك، فانتقلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من ذلكَ المنزل غيرَ بعيد، ثم صلَّى، ثم ذهب بقِيةَ يومه وليلته، فأصبح بتَبُوكَ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهلُه، ثم قال: ((أمَّا بَعْدُ.. فَإنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وأَوْثَقُ العُرَى كَلِمَةُ التَّقْوَى، وَخَيْرُ المِلَل مِلَّةُ إبراهيمَ، وخَيْرُ السَّنَنِ سُـنَّةُ مُحَمَّدٍ، وأَشْرَفُ الحَدِيثِ ذِكْرُ اللهِ، وأَحْسَنُ القَصَصِ هذا القُرآنُ، وخَيْرُ الأُمُورِ عَوَازِمُها، وَشَرُّ الأُمُور مُحْدَثَاتُها، وأَحْسَنُ الهَدْى هَدْىُ الأَنْبِيَاءِ، وأَشْرَفُ المْوتِ قَتْلُ الشُّهَداءِ، وأَعْمَى العَمَى الضَّلالةُ بَعْدَ الهُدَى، وخَيْرُ الأعْمَالِ مَا نَفَعَ، وخَيْرُ الهُدى ما أتُّبعَ، وشرُّ العَمَى عَمَى القَلْبِ، واليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، ومَا قَلَّ وكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وشَرُّ المَعْذِرَةِ حِينَ يَحْضُرُ المَوْت، وشَرُّ النَّدامَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ، ومِنَ النَّاسِ مَنْ لاَ يأْتى الجُمُعَةَ إلا دُبُراً، ومِنْهُم مَنْ لاَ يَذْكُرُ اللهَ إلا هُجْراً، ومنْ أَعْظَم الخَطَايَا اللِّسانُ الكَذَّابُ، وخَيْرُ الغِنى غِنى النَّفْسِ، وَخَيْرُ الزَّادِ التَّقْوى، وَرَأْسُ الحُكْمِ مَخَافَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وخَيْرُ مَا وَقَرَ فى القُلوبِ اليَقِينُ، والارْتيابُ مِنَ الكُفْرِ، والنِّياحَةُ مِنْ عَمَلِ الجَاهِلِيَّةِ، وَالغُلُولُ مِنْ جُثا جَهَنَّمَ، والسُّكْر كَىٌ مِنَ النَّارِ، والشِّعْرُ مِنْ إبْلِيسَ، والخَمْرُ جماعُ الإثْمِ، وشَرُّ المَأْكَلِ مَالُ اليَتِيمِ، والسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِه، والشَّقِىُّ مَنْ شَقى فى بَطْنِ أُمِّهِ، وإنَّما يَصِيرُ أَحَدُكُم إلى مَوْضِع أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ، والأَمْرُ إلى الآخِرَةِ، ومَلاكُ العَمَلِ خَوَاتِمُهُ، وشرُّ الرَّوَايا رَوَايا الكَذِب، وكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، وسِبَابُ المُؤْمِنِ فُسوقٌ، وقِتَالُه كُفْرٌ، وأَكْلُ لَحْمِهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَحُرْمَةُ مَالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ، ومَنْ يتألَّ عَلى اللهِ يُكَذِّبْه، ومَنْ يَغْفِرْ يُغْفَرْ لَه، ومَنْ يَعْفُ، يَعْفُ اللهُ عَنْهُ، ومَنْ يَكْظِم الغَيْظَ يَأْجُرْهُ اللهُ، ومَنْ يَصْبِرْ عَلى الرَّزِيِّةِ يُعَوِّضه اللهُ، ومَنْ يَبْتَغِ السُّمْعَةَ، يُسَمِّع اللهُ بِهِ، ومَنْ يَتَصَبَّر، يُضْعِفِ اللهُ لَهُ، ومَنْ يَعْصِ اللهَ يُعَذِّبْه الله)).. ثم استغفر ثلاثاً.
وذكر أبو داود فى ((سننه)) من حديث ابن وهب: أخبرنى معاويةُ، عن سعيد بن غَزوان، عن أبيه أنه نزلَ بتَبُوك، وهو حاجٍ، فإذا رجلٌ مُقْعَدٌ، فسألتُه عن أمره، قال: سأُحدِّثُك حديثاً، فلا تُحَدِّثْ به ما سمعتَ أنِّى حَىٌ: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلَ بتَبُوكَ إلى نخلة، فقال: ((هذِهِ قِبْلَتُنا))، ثم صلَّى إليهَا، قال: فأقبلتُ وأنا غلامٌ أسعى، حتى مررتُ بينه وبينها، فقال: ((قطَع صلاتَنا، قطعَ الله أثَرَه))، قال: فما قُمتُ عليهما إلى يومى هذا.
ثم ساقه أبو داود من طريق وكيع، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مولى ليزيد بن نمران، عن يزيد بن نِمران، قال: رأيت رجلاً بتَبُوك مقعداً، فقال: مررتُ بين يدىْ رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار وهو يُصلِّى، فقال: ((اللَّهُمَّ اقْطَعْ أَثَرَهُ))، فما مشيتُ عليهما بعد. وفى هذا الإسناد والذى قبله ضعف.