فصل فى بعض الأوهام فى سياق رواية ابن إسحاق
 
قلت: وفى سياق ما ذكره ابن إسحاق وَهْمٌ من وجوه:
أحدُها: أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أسرَّ إلى حُذيفة أسماء أُولئك المنافقين، ولم يُطلع عليهم أحداً غيره، وبذلك كان يُقال لحذيفة: إنه صاحِبُ السِّرِّ الذى لا يعلمهُ غيرُه، ولم يكن عمر، ولا غيرُه يعلمُ أسماءهم، وكان إذا مات الرجل وشكُّوا فيه، يقول عمر: انظروا، فإن صلَّى عليه حذيفة، وإلا فهو منافق منهم.
الثانى: ما ذكرناه من قوله: فيهم عبد الله بن أُبَىّ، وهو وَهْمٌ ظاهر، وقد ذكر ابن إسحاق نفسه، أنَّ عبد الله بن أُبَىِّ تخلَّف فى غزوة تبوك.
الثالث: أن قوله: وسعد بن أبى سرح وَهْمٌ أيضاً، وخطأ ظاهرٌ، فإن سعد ابن أبى سرح لم يُعرف له إسلام ألبتة، وإنما ابنُه عبد الله كان قد أسلم وهاجر، ثم ارتدَّ ولَحِقَ بمكة، حتى استأمن له عثمانُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فأمَّنه وأسلم، فَحَسُنَ إسلامُه، ولم يظهر منه بعد ذلك شئ يُنكر عليه، ولم يكن مع هؤلاء الاثنى عشر ألبتة، فما أدرى ما هذا الخطأ الفاحش.
الرابع: قوله: وكان أبو عامر رأسَهم، وهذا وَهْمٌ ظاهر لا يخفى على مَنْ دونَ ابن إسحاق، بل هو نفسُه قد ذكر قِصة أبى عامر هذا فى قصة الهجرة، عن عاصم بن عمر بن قتادة، أن أبا عامر لما هاجر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، خرجَ إلى مكة ببضعَة عشرَ رجلاً، فلما افتتح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكة، خرج إلى الطائف، فلما أسلم أهلُ الطائف، خرج إلى الشام، فمات بها طريداً وحيداً غريباً، فأين كان الفاسقُ وغزوة تَبُوك ذهاباً وإياباً.