فصل فى خروج الناس لتلقيه صلى الله عليه وسلم عند مقدمه المدينة
 
فلما دنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، خرج الناس لتلقيه، وخرج النساءُ والصبيان والولائد يقلن:
طَلَـعَ البَــدْرُ عَلَيْنَا مِـنْ ثَنِيَّاتِ الوَدَاعِ
وَجَـبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا مَا دَعَــا للهِ دَاعِى
وبعضُ الرواة يَهِمُ فى هذا ويقولُ: إنما كان ذلك عند مقدَمِه إلى المدينة من مكةَ، وهو وَهْمٌ ظاهر، لأن ثنياتِ الوداع إنما هى من ناحية الشام، لا يراها القادِمُ من مكة إلى المدينة، ولا يمرُّ بها إلا إذا توجَّه إلى الشام، فلما أشرف على المدينة، قال: ((هذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه)) .
فلما دَخلَ قال العباسُ: يا رسول الله؛ ائذن لى أمتدِحك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((قل: لا يَفْضُض اللهُ فَاكَ)) فقال:
مِنْ قَبْلِهَا طِبْتَ فى الظِّلاَلِ وَفِى مُسْتَوْدَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الوَرقُ
ثُـمَّ هَبَطْتَ البِلادَ لاَ بَشَـرٌ أَنْتَ وَلا مُضْغَــةٌ وَلاَ عَـلَقُ
بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفِينَ وَقَدْ أَلْجَمَ نَسْــراً وَأَهْلَه الغَـرَقُ
تُنْقَلُ مِنْ صَالِبٍ إلى رَحِـمٍ إذَا مَضَى عَالَمٌ بَـدَا طَبَــقُ
حَتَّى احْتَوَى بَيْتُكَ المُهَيْمِنُ مِن خِنْدِفَ عَلْيَا تَحْتَها النُّطُـــقُ
وَأَنْتَ لمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الـ أرض وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الأُفُــقُ
فَنَحْنُ فى ذَلِك الضياءِ وَفى النْ ـورِ وَسُبْلَ الرَّشَادِ نَخْــتَرِق