فصل في قدوم وفد بنى عامر
 
وقد تقدم ذكر وفد تميم ووفد طيئ.
ذكر وفد بنى عامر، ودعاء النبىِّ صلى الله عليه وسلم على عامر بن الطُّفيل
وكفاية الله شره وشر أَرْبَد بن قيس بعد أن عصم منهما نبيه
روينا فى كتاب ((الدلائل)) للبيهقى، عن يزيد بن عبد الله أبى العلاء، قال: وَفَدَ أبى فى وَفْدِ بنى عامر إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أنت سيدُنا، وذُو الطَّوْل علينا فقال: ((مَهْ مَهْ، قُولُوا بِقَوْلِكُمْ، وَلا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانَ، السَّيِّدُ الله)).
روينا عن ابن إسحاق، قال: لما قدم على رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم وفدُ بنى عامر فيهم عامرُ بن الطُّفيل، وأرْبَدُ بن قيسٍ بن جزء بن خالد بن جعفر، وجَبَّارُ بن سُلْمَى ابن مالك بن جعفر، وكان هؤلاء النَّفَر رؤساءَ القوم وشياطينهم، فقدم عدوُّ الله عامرُ بنُ الطُّفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهُوَ يريد الغدرَ به، فقال له قومُه: يا عامر؛ إنَّ الناس قد أسلموا، فقال: واللهِ لقد كنتُ آليتُ ألا أنتهىَ حتَّى تتبع العرب عَقِبَى، وأنا أتبعُ عَقِبَ هذا الفتى مِن قريش، ثم قال لأرْبَد: إذا قَدِمنا على الرجل، فإنى شاغل عنك وجهه، فإذا فعلتُ ذلك، فاعْلُهُ بالسِّيف، فلما قَدِمُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عامر: يا محمد؛ خالِّنى. قال: ((لا واللهِ حتى تُؤمِنَ بالله وحدّه)). قال: يا محمد؛ خالِّنى. قال: ((حتى تؤمنَ بالله وحده لا شريك له))، فلما أبى عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، قال له: أما واللهِ لأملأنها عليكَ خـيلاً ورِجالاً. فلما ولَّى، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ اكْفِنى عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْل))، فلما خرجوا مِن عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال عامر لأرْبَد: ويحك يا أربد، أين ما كُنْتُ أمَرْتُك بِه؟ واللهِ ما كان على وجه الأرض أخوفُ عندى على نفسى منك، وايمُ اللهِ لا أخافُك بعد اليوم أبداً. قال: لا أبا لك، لا تَعْجَلْ علىَّ، فواللهِ ما هممتُ بالذى أمرتنى به، إلا دخلتَ بينى وبين الرجل، أفأضرِبُك بالسيف؟
ثم خرجوا راجعين إلى بلادهم، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، بعث الله على عامر بن الطُّفيل الطاعونَ فى عنقه، فقتله الله فى بيت امرأة من بنى سَلول، ثم خرج أصحابُه حين رأوه حتى قَدِمُوا أرض بنى عامر، أتاهم قومُهم فقالوا: ما وراءك يا أربَد؟ فقال: لقد دعانى إلى عبادة شىء لوددتُ أنه عندى فأرمِيَه بنبلى هذه حتى أقتُلَه، فخرج بعد مقالته بيوم أو بيومين معه جمل يتبعه، فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما، وكان أربد أخا لبيد بن ربيعة لأُمه، فبكى ورثاه.
وفى ((صحيح البخارى)) أنَّ عامِرَ بنَ الطُّفيل أتى النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: أُخيِّرُك بَيْنَ ثَلاثِ خِصال: يكونُ لك أهلُ السهلِ، ولى أهلُ المدر، أو أكونُ خليفَتك من بعدك، أو أغزوك بغَطَفَان بألف أشقر، وألف شقراء، فطُعِنَ فى بيت امرأة فقال: أغُدَّة كَغُدَّةِ البَكْر فى بيت امرأة من بنى فلان؟ ائتونى بفرسى، فركِبَ، فمات على ظهر فرسه.