فصل في قدوم وفد هَمْدَانَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم
 
وقدم عليه وفدُ هَمْدَانَ، منهم: مَالك بن النَّمَط، ومالك بن أيفع، وضِمام بن مالك، وعَمْرو بن مالك، فلقُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مرجِعَه مِن تَبُوك، وعليهم مُقَطَّعَاتُ الْحِبَرَاتِ والعمائم العَدَنية على الرواحل المَهْرِية والأَرْحَبِيَّة، ومالك بن النَّمط يرتجزُ بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول:
إلَيْكَ جَـــاوَزْنَ سَوَادَ الرِّيفِ فى هَبَوَاتِ الصَّيْفِ والخَرِيفِ
مُخَطَّمَــــاتٍ بِحِبَالِ اللِّيفِ
وذكروا له كلاماً حسناً فصيحاً، فكتب لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كتاباً أقطعهم فيه ما سألوه، وأمَّر عليهم مالك بن النَّمط، واستعمله على مَن أسلم من قومه، وأمره بقتال ثَقيف، وكان لا يخرُج لهم سرحٌ إلا أغارُوا عليه.
وقد روى البيهقى بإسناد صحيح، من حديث أبى إسحاق، عن البراء، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم بعث خالدَ بن الوليد إلى أهلِ اليمن يدعُوهم إلى الإسلام، قال البراء: فكنتُ فيمن خرجَ مع خالد بن الوليد، فأقمنا ستةَ أشهر يدعوهم إلى الإسلام، فلم يُجيبوه، ثم إنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم بعث علىَّ بنَ أبى طالب رضى الله عنه، فأمره أن يُقْفِلَ خالداً إلا رجلاً ممن كان مع خالد أحبَّ أن يُعقِبَ مع علىّ رضى الله عنه، فليُعقب معه، قال البَراء: فكنتُ فيمن عقب مع علىّ، فلما دنونا مِن القوم، خرجوا إلينا، فصلَّى بنا علىُّ رضى الله عنه، ثم صفَّنا صفاً واحداً، ثم تقدَّم بين أيدينا، وقرأ عليهم كتابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت هَمْدَانُ جميعاً، فكتب علىٌ رضى الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم، فلما قرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، خَرَّ ساجِداً، ثم رفع رأسه فقال: ((السَّلاَمُ عَلى هَمْدَانَ، السَّلامُ عَلى هَمْدَانَ))، وأصل الحديث فى صحيح البخارى.
وهذا أصحُّ مما تقدَّم، ولم تكن هَمْدَانُ أن تُقاتل ثقيفاً، ولا تُغير على سرحهم، فإن هَمْدَان باليمن، وثقيفاً بالطائف.