فصل في قدوم وفد بنى فَزَارة
 
قال أبو الربيع بن سالم فى كتاب ((الاكتفاء)): ولما رجعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن تَبُوك، قَدِمَ عليه وفدُ بنى فَزَارة بضعة عشر رجلاً، فيهم خارجةُ ابنُ حِصن، والحُرُّ بن قيس ابن أخى عُيَيْنة بنِ حصن، وهو أصغرُهم، فنزلوا فى دار رملة بنت الحارث، وجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرِّينَ بالإسلام وهم مُسنِتُونَ على رِكاب عِجافٍ، فسألهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم، فقال أحدهُم: يا رسولَ الله؛ أسنَتَتْ بلادُنا، وَهَلَكَتْ مواشينا، وأجدب جنابُنا، وغَرِثَ عيالنا، فادعُ لنا ربك يُغيثُنا، واشفعْ لنا إلى ربك، وليشفع لنا ربُّك إليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سُبْحانَ الله، وَيْلَكَ يا هذا، إنَّما شَفَعْتُ إلى رَبِّى عَزَّ وجَلَّ، فَمَنِ الَّذِى يَشْفَعُ رَبُّنا إليه؟ لا إله إلاَّ هُو العَظِيمُ، وَسِعَ كُرْسِيُّه السَّمَواتِ والأرْضَ، فَهى تَئِطُّ مِنْ عَظَمَتِه وجَلاَلِهِ كَما يَئِطُّ الرَّحْلُ الجَدِيد))، وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ ليَضْحَكُ مِنْ شَغَفِكُمْ وأَزْلِكمْ، وقُرْبِ غِيَاثكُمْ))، فقال الأعرابى: يا رسولَ الله؛ ويضحكُ ربُّنا عَزَّ وجَلَّ؟ قال: ((نعم)) فقال الأعرابى: لَنْ نَعْدَم مِنْ رَبٍّ يضحَكُ خيراً، فضحِكَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم من قوله، وصَعِدَ المنبرَ، فتكلَّم بكلمات، وكان لا يرفع يديه فى شىء من الدعاء إلا رفع الاستسقاء، فرفع يديه حتى رؤى بياضُ إبطيه، وكان مما حُفِظَ من دعائه: ((اللَّهُمَّ اسْقِ بلاَدَكَ وبَهَائِمَكَ، وانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وأحْى بَلَدَكَ المَيِّت، اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثاً مُغيثا مَريئاً مَرِيعاً طَبَقاً واسعاً عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ، نَافِعاً غَيْرَ ضارٍّ، اللَّهُمَّ سُقْيا رَحْمَةٍ لا سُقْياَ عَذَابٍ، ولا هَدْمٍ، ولا غَرَقٍ، ولا مَحْق، اللَّهُمَّ اسْقِنا الغيثَ وانْصُرنا على الأَعْدَاء)).