فصل في أنفع الجماع
 
وأنفعُ الجِماع : ما حصلَ بعد الهضم ، وعند اعتدال البدن فى حرِّه وبرده ، ويُبوسته ورطوبته ، وخَلائه وامتلائه . وَضَرَرُه عند امتلاء البدن أسهلُ وأقل من ضرره عند خُلوِّه ، وكذلك ضررُه عند كثرة الرطوبة أقلُّ منه عند اليبوسة ، وعند حرارته أقلُّ منه عند برودته ، وإنما ينبغى أن يُجامِعَ إذا اشتدتْ الشهوةُ ، وحصَلَ الانتشارُ التام الذى ليس عن تكلُّفٍ ، ولا فكرٍ فى صورة ، ولا نظرٍ متتابع .
ولا ينبغى أن يستدعىَ شهوةَ الجِماع ويتكلفها ، ويحمل نفسه عليها ، وليُبادْر إليه إذا هاجتْ به كثرةُ المَنِىِّ ، واشتد شَبَقُهُ ، وليحذرْ جِماعَ العجوز والصغيرةِ التى لا يُوطأُ مثلُها ، والتى لا شهوة لها ، والمريضةِ ، والقبيحةِ المنظرِ ، والبَغيضة ، فوطءُ هؤلاء يُوهن القُوَى ، ويُضعف الجِماع بالخاصِّية ، وغلط مَن قال من الأطباء : إن جِماع الثيِّب أنفعُ من جِماع البكر وأحفظُ للصحة ، وهذا من القياس الفاسد ، حتى ربما حذَّر منه بعضُهم ، وهو مخالف لِما عليه عقلاءُ الناسِ ، ولِما اتفقتْ عليه الطبيعةُ والشريعة .
وفى جِماع البِكر من الخاصِّية وكمالِ التعلُّق بينها وبين مُجامعها ، وامتلاءِ قلبها من محبته ، وعدم تقسيم هواها بينه وبين غيره ، ما ليس للثَيِّب . وقد قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم لجابر : (( هلاَّ تَزوَّجتَ بِكراً )) ، وقد جعل الله سبحانه من كمالِ نساء أهل الجنَّة من الحُور العين ، أنَّهن لم يَطْمِثْهُنَّ أحدٌ قبلَ مَن جُعِلْنَ له ، من أهل الجنَّة . وقالت عائشةُ للنبىِّ صلى الله عليه وسلم : أرأيْتَ لو مَرَرْتَ بشجرةٍ قد أُرْتِعَ فيها ، وشجرةٍ لم يُرْتَعْ فيها ، ففى أيِّهما كنتَ تُرتِعُ بعيرَك ؟ قال : (( فى التى لم يُرْتَعْ فيها )) . تريد أنه لم يأخذ بكراً غيرَها .
وجِماعُ المرأة المحبوبة فى النفس يَقِلُّ إضعافُهُ للبدن مع كثرةِ استفراغه للمَنِىِّ ، وجماع البغيضة يُحِلُّ البدن ، ويُوهن القُوَى مع قِلَّةِ استفراغه ، وجِماعُ الحائض حرامٌ طبعاً وشرعاً ، فإنه مضرٌ جداً ، والأطباء قاطبةً تُحَذِّر منه .
وأحسنُ أشكالِ الجِماع أن يعلوَ الرجلُ المرأةَ ، مُستفرِشاً لها بعدَ المُلاعبة والقُبلة ، وبهذا سُميت المرأة فِراشاً ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (( الولَدُ لِلفِراش )) ، وهذا من تمام قَوَّامية الرجل على المرأة ، كما قال تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] ، وكما قيل :
إذَا رُمْتُهَا كَانَتْ فِرَاشَاً يُقِلُّنِى وَعِنْدَ فَرَاغِى خَادِمٌ يَتَمَلَّقُ
وقد قال تعالى : {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة: 187] ، وأكملُ اللِّباس وأسبَغُه على هذه الحال ، فإن فِراش الرجل لباسٌ له ، وكذلك لِحَافُ المرأة لباسٌ لها ، فهذا الشكلُ الفاضلُ مأخوذٌ من هذه الآية ، وبه يَحسن موقعُ استعارةِ اللِّباس من كل من الزوجين للآخر .
وفيه وجه آخرُ ، وهو أنها تَنعطِفُ عليه أحياناً ، فتكونُ عليه كاللِّباس ، قال الشاعر :
إذَا مَا الضَّجِيعُ ثَنَى جِيدَها تَثَنَّتْ فَكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسَا
وأردأُ أشكاله أن تعلُوَهُ المرأةُ ، ويُجامِعَها على ظهره ، وهو خلافُ الشكل الطبيعى الذى طبع الله عليه الرجل والمرأة ، بل نوعَ الذكر والأُنثى ، وفيه من المفاسد ، أنَّ المَنِىَّ يتعسَّرُ خروجُه كلُّه ، فربما بقى فى العضو منه فيتعفنُ ويفسد ، فيضر .
وأيضاً : فربما سال إلى الذَّكر رطوباتٌ من الفَرْج .
وأيضاً : فإنَّ الرَّحِم لا يتمكن من الاشتمال على الماء واجتماعِهِ فيه ، وانضمامِهِ عليه لتَخْلِيقِ الولد .
وأيضاً : فإنَّ المرأة مفعولٌ بها طبعاً وشرعاً ، وإذا كانت فاعلة خالفتْ مقتضى الطبع والشرع .
وكان أهل الكتاب إنما يأتون النساء على جُنوبهن على حَرْفٍ ، ويقولون : هو أيسرُ للمرأة .
وكانت قريش والأنصار تَشْرَحُ النِّساءَ على أقْفَائِهن ، فعابَتِ اليهودُ عليهم ذلك ، فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ : {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223].
وفى (( الصحيحين )) عن جابر ، قال : كانت اليهود تقولُ : إذا أتى الرجلُ امرأتَه من دُبُرِها فى قُبُلِها ، كان الولدُ أَحوَلَ ، فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ : {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223].
وفى لفظ لمسلم : (( إن شاء مُجَبِّيَة ، وإن شاء غير مُجَيِّبَة ، غَيْرَ أنَّ ذلك فى صِمِامٍ واحدٍ )) .
و(( المُجَبِّبَة )) : المُنْكَبَّة على وجهها ، و((الصمام الواحد)) : الفَرْج ، وهو موضع الحرْثِ والولد .
وأما الدُّبرُ : فلم يُبَحْ قَطُّ على لسان نبىٍّ من الأنبياء ، ومَن نسب إلى بعض السَّلَف إباحة وطء الزوجة فى دُبُرها ، فقد غلط عليه .
وفى (( سنن أبى داود )) عن أبى هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ملعونٌ مَن أتى المرأةَ فى دُبُرِها )) .
وفى لفظ لأحمد وابن ماجه : ((لا يَنْظُرُ اللهُ إلى رَجُلٍ جَامَعَ امرأتَه فى دُبُرِها)).
وفى لفظ للترمذى وأحمد : ((مَن أتى حائضاً ، أو امرأةً فى دُبُرِها ، أوْ كاهناً فَصَدَّقَهُ ، فقد كَفَرَ بما أُنْزِلَ على محمد صلى الله عليه وسلم)) .
وفى لفظ للبيهقى : ((مَنْ أتى شيئاً مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ فى الأدبار فقد كفر)).
وفى (( مصنَّف وكِيع )) : حدثنى زمْعة بن صالح ، عن ابن طاووس ، عن أبيه ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الله بن يَزيد ؛ قال : قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيى من الحقِّ ، لا تأتُوا النِّسَاءَ فى أعجازِهِنَّ )) ، وقال مَرَّة : (( فى أدبارِهِنَّ )) .
وفى (( الترمذى )) : عن على بن طَلْق ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تأتوا النِّسَاءَ فى أعجازِهِنَّ ، فإن الله لا يستحى من الحقِّ )) .
وفى (( الكامل )) لابن عَدِى : من حديثه عن المحامِلى ، عن سعيد بن يحيى الأموىِّ ، قال : حدَّثنا محمد بن حمزَةَ ، عن زيد بن رَفيع ، عن أبى عُبيدة ، عن عبد الله بن مسعود يرفعه : (( لا تأتوا النِّسَاءَ فى أعْجَازِهِنَّ )) .
وروينا فى حديث الحسن بن على الجوهرىِّ ، عن أبى ذرٍّ مرفوعاً : (( مَنْ أتى الرِّجَال والنِّسَاءَ فى أدْبَارِهنَّ ، فقد كَفَرَ )) .
وروى إسماعيل بن عيَّاش ، عن سُهيل بن أبى صالح ، عن محمد ابن المُنْكَدِر ، عن جابر يرفعه : (( اسْتَحْيُوا مِنَ الله ، فإنَّ اللهَ لا يَسْتَحيى مِنَ الحقِّ ، لا تأْتُوا النِّسَاءَ فى حُشُوشِهِنَّ )) .
ورواه الدارقُطنِىُّ من هذه الطريق ، ولفظه : (( إنَّ الله لا يَسْتَحيى مِنَ الحق ، لا يَحلُّ مَأْتَاك النِّسَاءَ فى حُشُوشِهِنَّ )) .
وقال البغوىُّ : حدثنا هُدْبَةُ ، حدثنا همَّام ، قال : سُئِل قتادة عن الذى يأتى امرأته فى دُبُرِها ؛ فقال : حَدَّثنى عمرو بن شُعَيب ، عن أبيه ، عن جده ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : (( تلك اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرى )) .
وقال أحمد فى (( مسنده )) : حدَّثنا عبد الرحمن ، قال : حدَّثنا همَّام ، أُخبِرنا عن قتادَةَ ، عن عمرو بن شُعَيب ، عن أبيه ، عن جده ، فذكره .
وفى (( المسند )) أيضاً : عن ابن عباس : أنزلت هذه الآية : {نِسَاءُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} [البقرة: 223] فى أُناسٍ من الأنصار ، أتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فسألوه ، فقال : (( ائْتِها على كُلِّ حال إذا كان فى الفَرْج )) .
وفى (( المسند )) أيضاً : عن ابن عباس ، قال : جاء عمرُ بنُ الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله : هلكتُ . فقال : (( وما الذى أهلكَكَ )) ؟ قال : حَوَّلْتُ رَحْلى البارِحَةَ ، قال : فلم يَرُدَّ عليه شيئاً ، فأوحى الله إلى رسوله: {نِسَاءُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] أَقْبِلْ وأَدْبِرْ ، واتَّقِ الحَيْضَةَ والدُّبُرَ )) .
وفى (( الترمذى )) : عن ابن عباس مرفوعاً : (( لا يَنْظُرُ اللهُ إلى رَجُلٍ أتى رَجُلاً أو امرأةً فى الدُّبُرِ )) .
وروينا من حديث أبى على الحسن بن الحسين بن دُومَا ، عن البَراء بن عازِب يرفعه : (( كَفَرَ باللهِ العظيم عشرةٌ من هذه الأُمة : القاتِلُ ، والسَّاحِرُ ، والدُّيُّوثُ ، وناكحُ المرأةِ فى دُبُرِها ، ومانِعُ الزكاةِ ، ومَن وَجَدَ سَعَةً فماتَ ولم يَحُجَّ ، وشاربُ الخَمْرِ ، والسَّاعِى فى الفِتَنِ ، وبائعُ السِّلاحِ من أهلِ الحربِ ، ومَن نكَح ذَاتَ مَحْرَمٍ منه )) .
وقال عبد الله بن وهب : حدَّثنا عبد الله بن لَهيعةَ ، عن مِشرَح بن هاعانَ ، عن عقبةَ بن عامر ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : (( مَلْعُونٌ مَن يأتى النِّسَاءَ فى محاشِّهِنَّ )) ؛ يعنى : أدْبَارِهِنَّ .
وفى (( مسند الحارث بن أبى أُسامة )) من حديث أبى هريرة ، وابن عباس قالا : خطبنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته ، وهى آخِرُ خُطبةٍ خطبها بالمدينة حتى لحق بالله عَزَّ وَجَلَّ ، وعظنا فيها وقال : (( مَن نَكَحَ امرأَةً فى دُبُرِها أو رجلاً أو صَبِيَّاً ، حُشِرَ يَوْمَ القيامة ، وريحُهُ أنْتَنُ مِنَ الجِيفةِ يتأذَّى به النَّاسُ حتى يَدْخُلَ النَّار ، وأَحْبَطَ اللهُ أجرَهُ ، ولا يَقْبَلُ منه صَرْفاً ولا عدلاً ، ويُدْخَلُ فى تابوتٍ من نارٍ ، ويُشَدُّ عليه مَساميرُ من نارٍ)) ، قال أبو هريرة : هذا لمن لم يتب.
وذكر أبو نعيم الأصبهاني ، من حديث خزيمة بن ثابت يرفعه ، ((إنَّ الله لا يَسْتَحي مِنَ الحَق ، لا تأتوا النِّساَء في أَعْجاَزِهِنَّ)).
وقال الشافعي : أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع ، قال : أخبرني عبد الله بن علي بن السائب ، عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح ، عن خزيمة بن ثابت ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن ، فقال: ((حلال)) ، فلما ولى ، دعاه فقال : ((كيف قُلتَ ، في أيِّ الخُرْبَتَينِ ، أو في أي الخَرْزَتَينِ ، أو في أيِّ الخَصْفَتَينِ أمنْ دُبُرهاَ في قُبُلهَا ؟ فَنَعَم . أم مِنْ دُبُرِهاَ في دُبُرِهاَ ، فلا ، إنَّ الله لا يَسْتَحيِي مِنَ الحَق ، لا تأتوا النِّساَء في أَدبارهِنَّ)).
قال الربيع: فقيل للشافعي : فما تقول ؟ فقال : عمي ثقة ، وعبد الله بن علي ثقة ، وقد أثنى على الأنصاري خيراً ، يعني عمرو بن الجلاح ، وخزيمة ممن لا يشك في ثقته ، فلست أرخص فيه ، بل انهي عنه.
قلت : ومن هاهنا نشأ الغلط على من نقل عنه الإباحة من السلف والأئمة ، فإنهم أباحوا أن يكون الدُّبر طريقاً إلى الوطء في الفرج ، فيطأ من الدبر لا في الدبر ، فاشتبه على السامع ((من)) بـ ((في)) ولم يظن بينهما فرقاً ، فهذا الذي أباحه السلف والأئمة ، فغلط عليهم الغالط أقبح الغلط وأفحشه.
وقد قال تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} [البقرة: 222] قال مجاهد : سألتُ ابن عَبَّاس عن قوله تعالى : {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} [البقرة: 222] ، فقال : تأتيها من حيث أمرت أن تعتزلها يعني في الحيض . وقال علي بن أبي طلحة عنه يقول : في الفرج ، ولا تعدُه إلى غيره .
وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دُبرها من وجهين : أحدهما : أنه أباح إتيانها في الحرث ، وهو موضع الولد لا في الحُشّ الذي هو موضع الأذى ، وموضع الحرث هو المراد من قوله : {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} [البقرة: 222] الآية قال : {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] وإتيانُها في قبلها مِن دبرها مستفادٌ من الآية أيضا ، لأنه قال : أنى شئتم ، أي : من أين شئتم من أمام أو من خلف . قال ابن عباس : فأتوا حرثكم ، يعني : الفرج .
وإذا كان الله حرَّم الوطءَ في الفرج لأجل الأذى العارض ، فما الظنُّ بالحشِّ الذي هو محل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل والذريعة القريبة جداً من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان.
وأيضاً : فللمرأة حق على الزوج في الوطء ، ووطؤها في دُبرها يفوِّتُ حقها ، ولا يقضي وطَرَها ، ولا يُحَصِّل مقصودها.
وأيضاً : فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل ، ولم يخلق له ، وإنما الذي هيئ له الفرج ، فالعادلون عنه إلى الدُّبُر خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعاً .
وأيضاً : فإن ذلك مضر بالرجل ، ولهذا ينهي عنه عقلاءُ الأطباء منِ الفلاسفة وغيرهم ، لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه والوطءُ فى الدُّبُر لا يعين على اجتذاب جميع الماء ، ولا يخرج كلَّ المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعى .
وأيضاً : يضر من وجه آخَر ، وهو إحواجُه إلى حركات متعبةٍ جداً لمخالفته للطبيعة .
وأيضاً : فإنه محل القذر والنَّجْوِ ، فيستقبلُه الرَّجل بوجهه ، ويُلابسه .
وأيضاً : فإنه يضرُّ بالمرأة جداً ، لأنه واردٌ غريب بعيدٌ عن الطباع ، مُنافر لها غايةَ المنافرة .
وأيضاً : فإنه يُحِدثُ الهمَّ والغم ، والنفرةَ عن الفاعل والمفعول .
وأيضاً : فإنه يُسَوِّدُ الوجه ، ويُظلم الصدر ، ويَطمِسُ نور القلب ، ويكسو الوجه وحشةً تصير عليه كالسِّيماء يعرِفُها مَن له أدنى فراسة .
وأيضاً : فإنه يُوجب النُّفرة والتباغض الشديد ، والتقاطع بين الفاعل والمفعول ، ولا بُدَّ .
وأيضاً : فإنه يُفسد حال الفاعل والمفعول فساداً لا يكادُ يُرجَى بعده صلاح ، إلا أن يشاءَ الله بالتوبة النصوح .
وأيضاً : فإنه يُذهبُ بالمحاسن منهما ، ويكسوهما ضِدَّها . كما يُذهب بالمَوَدَّة بينهما ، ويُبدلهما بها تباغضاً وتلاعُناً .
وأيضاً : فإنه من أكبر أسباب زوال النِعَم ، وحُلول النِقَم ، فإنه يوجب اللَّعنةَ والمقتَ من الله ، وإعراضه عن فاعله ، وعدم نظره إليه ، فأىُّ خير يرجوه بعد هذا ، وأىُّ شر يأمنُه ، وكيف حياة عبد قد حلَّتْ عليه لعنة الله ومقته ، وأعرض عنه بوجهه ، ولم ينظر إليه .
وأيضاً : فإنه يُذهب بالحياءِ جملةً ، والحياءُ هو حياة القلوب ، فإذا فقدها القلبُ ، استحسَن القبيح ، واستقبحَ الحسن ، وحينئذٍ فقد استَحكَم فسادُه .
وأيضاً : فإنهُ يُحيل الطباعَ عما رَكَّبَها الله ، ويُخرج الإنسانَ عن طبعه إلى طبع لم يُركِّب الله عليه شيئاً من الحيوان ، بل هو طبع منكوس ، وإذا نُكِسَ الطبعُ انتكس القلب ، والعمل ، والهدى ، فيستطيبُ حينئذٍ الخبيثَ من الأعمال والهيئات ، ويفسد حاله وعملُه وكلامه بغير اختياره .
وأيضاً : فإنه يُورِث مِنَ الوقاحة والجُرأة ما لا يُورثه سواه .
وأيضاً : فإنه يُورث مِنَ المهانة والسِّفال والحقَارة ما لا يورثه غيره .
وأيضاً : فإنه يكسو العبدَ مِن حُلَّة المقت والبغضاء ، وازدراءِ الناس له ، واحتقارِهم إيَّاه ، واستصغارِهم له ما هو مشاهَدٌ بالحسِّ ، فصلاة الله وسلامه على مَن سعادةُ الدنيا والآخرة فى هَدْيِه واتباعِ ما جاء به ، وهلاكُ الدنيا والآخرة فى مخالفة هَدْيِه وما جاء به .