فصل في القصاص من الحامل و ذوي القرابة
 
وقضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ((أن الحامِلَ إذا قَتَلَت عمداً لا تُقتل حتى تضَعَ ما فى بطنها وحتَّى تُكَفِّلَ وَلَدَهَا)). ذكره ابن ماجه فى ((سننه)).
وقضى ((أن لا يُقتل الوالدُ بالولَدِ)). ذكره النسائى وأحمد.
وقضى ((أن المؤمنين تتكافأ دماؤهم، ولا يُقْتَل مؤمِنٌ بكافر)).
وقضى أن من قُتِلَ له قتيل، فأهله بَيْنَ خِيرَتَيْنِ، إما أن يقتلُوا أو يأخذوا العقل. وقضى أن فى دية الأصابع من اليدين والرِّجلين فى كل واحدة عشراً مِن الإبل. وقضى فى الأسنان فى كل سِن بخمسٍ من الإبل، وأنها كلها سواء، وقضى فى المواضح بخمسٍ خمسٍ.وقضى فى العين السَّادة لمكانها إذا طُمِسَتْ بثلث ديتها، وفى اليد الشلاء إذا قُطِعَتْ بثلث ديتها، وفى السِّنِّ السوداء إذا نُزعَتْ بثلث ديتها.
وقضى فى الأنف إذا جُدِعَ كُلُّه بالدية كاملة، وإذا جُدِعَتْ أرنبتُه بنصف الدية.
وقضى فى المأمومة بثُلُث الدية، وفى الجائفة بثلثها، وفى المُنَقِّلَةِ بخمسةَ عشرَ من الإبل. وقضى فى اللسان بالدية، وفى الشفتين بالدية، وفى البَيْضَتَيْنِ بالدية، وفى الذَّكَرِ بالدية، وفى الصُّلْب بالدية، وفى العينين بالدية، وفى إحداهما بنصفها، وفى الرجل الواحدة بنصف الدية، وفى اليد بنصف الدية، وقضى أن الرجل يُقتل بالمرأة.
وقضى أن دية الخطأ على العاقلة مائة من الإبل، واختلفت الرواية عنه فى أسنانها، ففى السنن الأربعة عنه من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: ((ثَلاَثُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وثَلاَثُونَ بِنْتَ لَبُون، وثَلاَثُونَ حِقَّةً، وعَشَرةُ بنى لَبُونٍ ذَكَرٍ)).
قال الخطابى: ولا أعلم أحداً مِن الفقهاء قال بهذا.
وفيها أيضا من حديث ابن مسعود: أنها أخماسٌ:((عِشرون بنتَ مَخَاضٍ، وعشرون بنت لَبون، وعشرون ابن مخاض، وعشرون حِقَّة، وعِشرونَ جَذَعَة)).
وقضى فى العمد إذا رضُوا بالدَّية ثلاثين حِقَّة، وثلاثين جَذَعة، وأربعين خَلِفَة، وما صُولحوا عليه، فهو لهم.
فذهب أحمد وأبو حنيفة إلى القول بحديث ابن مسعودٍ رضى الله عنهما، وجعل الشافعى ومالك بدل ابن مخاض ابن لبون، وليس فى واحد من الحديثين.
وفرضها النبىُّ صلى الله عليه وسلم على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتى بقرة، وعلى أهلِ الشاءِ ألفى شاة، وعلى أهل الحُلَلِ مائتى حُلة.
وقال عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم ((جعلها ثمانمائة دينار، أو ثمانمائة آلاف درهم)).
وذكر أهل السنن الأربعة من حديث عكرمة، عن ابن عباس رضى الله عنهما،((أن رجلاً قُتِلَ، فجعلَ النبى صلى الله عليه وسلم ديتَه اثنى عشَرَ أَلفاً)).
وثبت عن عمر أنه خطب فقال: إن الإبلَ قد غلت، ففرضها على أهلِ الذهب ألفَ دينار، وعلى أهل الوَرِقِ عشر ألفاً، وعلى أهلِ البقر مائتى بقرة، وعلى أهل الشاءِ ألفى شاة، وعلى أهل الحُلل مائتى حلة، وترك دِية أهل الذمة، فلم يرفعها فيما رَفَعَ مِن الدية.
وقد روى أهلُ السنن الأربعة عنه صلى الله عليه وسلم:
((دِيَةُ المعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الحُرِّ. ولفظ ابن ماجه: قضى أن عقلَ أَهْلِ الكِتَابينِ نِصْفُ عَقْلِ المسلمين، وهم اليهود والنصارى)).
واختلف الفقهاء فى ذلك، فقال مالك: ديتهم نصفُ دية المسلمين فى الخطأ والعمد، وقال الشافعى: ثلثُها فى الخطأ والعمد. وقال أبو حنيفة: بل كِدَية المسلم فى الخطأ والعمد. وقال الإمام أحمد: مثلُ دية المسلم فى العمد. وعنه فى الخطأ روايتان، إحداهما: نصفُ الدية، وهى ظاهر مذهبه. والثانية: ثلثها، فأخذ مالك بظاهر حديث عمرو بن شعيب، وأخذ الشافعىُّ بأن عُمَرَ جعل ديته أربعة آلاف، وهى ثلثُ دية المسلم، وأخذ أحمدُ بحديث عمرو إلا أنه فى العمدِ ضَعَّفَ الدية عقوبة لأجل سقوط القصاص، وهكذا عنده مَنْ سقط عنه القصاص، ضُعِّفت عليه الدية عقوبة، نص عليه توفيقاً، وأخذ أبو حنيفة بما هو أصلُه من جريان القصاص بينهما، فتتساوى ديتُهما.
وقضى صلى الله عليه وسلم ((أن عقلَ المرأة مِثْلُ عقل الرجل إلى الثلث من ديتها)) ذكره النسائى. فتصير على النصف من ديته، وقَضى بالدية على العاقلة، وبرأ منها الزوج، وولد المرأة القاتلة.
وقضى فى المكاتب أنه إذا قُتِلَ يُودى بقدر ما أَدَّى من كتابته دية الحر، وما بقى فدية المملوك، قلت: يعنى قيمته، وقضى بهذا القضاء علىُّ بن أبى طالب، وإبراهيم النَّخعى، ويُذكر رواية عن أحمد، وقال عمر: إذا أَدَّى شطرَ كتابته كان غريماً، ولا يرجع رقيقاً، وبه قضى عبدُ الملك بن مروان. وقال ابن مسعود: إذا أدَّى الثلث، وقال عطاء: إذا أدَّى ثلاثة أرباع الكتابة، فهو غريم، والمقصود: أن هذا القضاء النبوىَّ لم تُجمع الأمةُ على تركه، ولم يُعلم نسخه.
وأما حديث ((المكَاتبُ عَبْدٌ مَا بَقِىَ عَلَيْهِ دِرْهَم)) فلا معارضة بينه وبين هذا القضاء، فإنه فى الرق بعد، ولا تحصل حريته التامة إلا بالأداء.