فصل في قضائه في اللواط
 
ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قضى فى اللواط بشىء، لأن هذا لم تكن تعرِفُه العربُ، ولم يُرفع إليه صلى الله عليه وسلم، ولكن ثبتَ عنه أنه قال: ((اقْتُلُوا الفَاعِلَ والمَفْعُولَ بِهِ)). رواه أهل السنن الأربعة، وإسناده صحيح، وقال الترمذى: حديث حسن.
وحكم به أبو بكر الصِّديق، وكتب به إلى خالد بعد مشاورةِ الصحابة، وكان علىٌّ أشدَّهم فى ذلك.
وقال ابنُ القصار: وشيخنا: أجمعتِ الصحابةُ على قتله، وإنما اختلفُوا فى كيفية قتله، فقال أبو بكر الصديق: يُرمى من شاهق، وقال علىٌّ رضى الله عنه: يُهدم عليه حائط. وقال ابنُ عباس: يُقتلان بالحجارة. فهذا اتفاقٌ منهم على قتله، وإن اختلفوا فى كيفيته، وهذا وافق لحُكمه صلى الله عليه وسلم فيمن وطىء ذات محرم، لأن الوطء فى الموضعين لا يُباح للواطىء بحال، ولهذا جمع بينهما فى حديث ابن عباس رضى الله عنهما، فإنه روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَنْ وَجَدْتُّموه يَعْمَلُ عَمَلَ قوم لُوطِ فَاقْتُلُوهُ))، وروى أيضاً عنه: ((مَنْ وَقَعَ عَلى ذَاتِ مَحْرَمٍ، فاقْتُلُوه))، وفى حديثه أيضاً بالإسناد: ((مَنْ أَتى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ واقْتُلُوها مَعَهُ)).
وهذا الحكم على وفق حكم الشارع، فإن المحرماتِ كلَّما تغلَّظت، تغلَّظت عقوباتُها، ووطءُ من لا يُباح بحال أعظمُ جرماً مِن وطء من يُباح فى بعض الأحوال، فيكون حدُّه أغلظَ ، وقد نصَّ أحمدُ فى إحدى الروايتين عنه، أن حُكم من أتى بهيمةً حكْمُ اللواط سواء، فيُقتل بكل حال، أو يكون حدُّه حدَّ الزانى.
واختلف السلفُ فى ذلك، فقال الحسن: حدُّه حدُّ الزانى. وقال أبو سلمة عنه: يقتل بكل حال، وقال الشعبى والنخعى: يُعزَّر، وبه أخذ الشافعى ومالك وأبو حنيفة وأحمد فى رواية، فإن ابن عباس رضى الله عنه أفتى بذلك، وهو راوى الحديث.