فصل في قضائه صلى الله عليه و سلم في القذف
 
وحكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بحدِّ القذفِ، لما أنزل اللَّهُ سبحانه براءةَ زوجتهِ مِن السماء، فجلد رجلين وامرأةً. وهما: حسانُ بن ثابت، ومِسطَحُ بنُ أُثَانَة. قال أبو جعفر النُّفيلى: ويقولون: المرأة حَمنة بنتُ جحش.
وحكم فيمن بدل دينه بالقتل، ولم يخص رجلاً من امرأة، وقتل الصديقُ امرأةً ارتدت بعد إسلامها يقال لها: أم قِرفة.
وحكم فى شارب الخمر بضربه بالجريدِ والنِّعال، وضربه أربعينَ، وتبعه أبو بكر رضى الله عنه على الأربعين.
وفى ((مصنف عبد الرزاق)): أنه صلى الله عليه وسلم ((جلد فى الخمر ثمانين)).
وقال ابنُ عباس رضى الله عنه: ((لم يُوقِّتْ فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شيئاً)).
وقال على رضى الله عنه: ((جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخمر أربعين، وأبو بكر أربعينَ، وكمَّلها عمرُ ثمانيَ، وكُلٌّ سنة)).
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتله فى الرابعة أو الخامسة. واختلف الناسُ فى ذلك، فقيل: هو منسوخ، وناسخه ((لا يَحِلُّ دمُ امرىء مسلمٍ إلا بإحدى ثلاث)). وقل: هو محكم، ولا تعارضَ بين الخاص والعام، ولا سيما إذا لم يُعلم تأخُّر العام. وقيل: ناسخُه حديث عبد الله حِمارٍ، فإنه أُتِىَ به مراراً إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فجلده ولم يقتُله.
وقيل: قتله تعزيزٌ بحسب المصلحة، فإذا كثر منه ولم ينهه الحدُّ، واستهان به، فللإمام قتلُه تعزيزاً لا حداً، وقد صحَّ عن عبد الله بن عمر رضى الله. عنهما أنه قال: أئتونى به فى الرابعة فعلىَّ أن أقتُلَه لكم، وهو أحدُ رواة الأمر بالقتل عن النبى صلى الله عليه وسلم، وهم: معاويةُ، وأبو هريرة، وعبدُ الله ابن عمر، وعبدُ الله بن عمرو، وقَبيصة بن ذؤيب رضى الله عنهم.
وحديث قبيصة: فيه دلالة على أن القتلَ ليس بحد، أو أنه منسوخ، فإنه قال فيه: فأُتيِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب، فجلده، ثم أتى به، فجلده، ثم أتى به فجلده، ورفع القتل، وكانت رخصة. رواه أبو داود.
فإن قيل: فما تصنعون بالحديث المتفق عليه، عن على رضى الله أنه قال: ما كنت لأدرى من أقمتُ عليه الحدَّ إلا شاربَ الخمر، فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يَسُنَّ فيه شيئاً، إنما هو شىءُ قلناه نحن. لفظ أبى داود. ولفظهما: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ولم يَسُنَّه.
قيل: المرادُ بذلك أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يُقَدِّرْ فيه بقوله تقديراً لا يُزاد عليه ولا يُنقص كسائر الحدود، وإلا فعلى رضى الله عنه قد شَهِدَ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب فيها أربعين.
وقوله: إنما هو شىء قلناه نحن، يعنى التقديرَ بثمانين، فإن عمرَ رضى الله عنه جمع الصحابة رضي الله عنهم واستشارهم، فأشاروا بثمانين، فأمضاها، ثم جلد على فى خلافته أربعين، وقال: هذا أحبُّ إلىَّ.
ومن تأمَّل الأحاديثَ، رآها تدل على أن الأربعينَ حد، والأربعون الزائدة عليها تعزيزٌ اتفق عليه الصحابةُ رضى الله عنهم، والقتلُ إما منسوخ، وإما أنه إلى رأى الإمام بحسب تهالكِ الناسِ فيها واستهانتهم بحدها، فإذا رأى قتلَ واحد لينزجر الباقون، فله ذلك، وقد حلق فيها عمرُ رضى الله عنه وغرَّب، وهذا من الأحكام المتعلقة بالأئمة، وبالله التوفيق.