فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم فى أول غنيمة كانت فى الإسلام وأوَّل قتيل
 
لما بعث رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عبدَ اللَّه بن جَحْشٍ ومن معه سريةً إلى نخلةَ تَرْصُد عِيراً لقريش، وأعطاه كِتاباً مختوماً، وأمره أن لا يقرأه إلا بعدَ يومين، فقتلوا عمرو بن الحضرمى، وأسروا عثمان بنَ عبد اللَّه، والحكمَ بن كيسان، وكان ذلك فى الشهر الحرام، فعنَّفهم المشركون، ووقف رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم الغنيمةَ والأسيرين حتى أنزل اللَّه سبحانه وتعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَن الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ والمَسْجِدِ الحَرَامِ وإخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة: 217] فأخَذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم العِير والأسيرين، وبعثت إليه قريشٌ فى فدائهما، فقال: لا، حتى يَقْدَمَ صاحبانا - يعنى سعد بن أبى وقاص، وعُتبة بن غزوان -، فإنا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما، نقتُلْ صاحِبيكم، فلما قَدِمَا، فأداهما رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بعثمان والحكم، وقسم الغنيمة.
وذكر ابنُ وهب: أن النبى صلى الله عليه وسلم ردَّ الغنمية، وودَى القتيل.
والمعروفُ فى السير خلاف هذا.
وفى هذه القصة مِن الفقه إجازةُ الشهادة على الوصية المختومة، وهو قولُ مالك، وكثير من السلف، ويدل عليه حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما فى ((الصحيحين)): ((ما حقُّ امْرِىءً مُسْلِم لَهُ شَىء يُوصى به يبيتُ لَيْلَتَيْنِ إلا وَوَصِيَّتُه مكْتُوبَة عِنْدَهُ)).
وفيها: أنه لا يُشترط فى كتاب الإمام والحاكم البينة، ولا أن يقرأه الإمام والحاكم على الحامل له، وكُلُّ هذا لا أصل له فى كتاب ولا سنة، وقد كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يدفع كُتبه مع رُسله، ويُسيرها إلى من يكتب إليه، ولا يقرؤها على حاملها، ولا يُقيم عليها شاهدين، وهذا معلوم بالضرورة مِن هديه وسنته.