فصل في حكمه فى الأسرى
 
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فى الأسرى أنه قَتَل بَعْضَهم، ومَنَّ على بعضهم، وفادى بعضَهم بمال، وبعضَهم بأسرى مِن المسلمين، واسترقَّ بعضَهم، ولكن المعروف، أنه لم يَسْتَرِقَّ رجلاً بالغاً.
فقتل يومَ بدر من الأسرى عُقبةَ بن أبى معيط، والنضر بن الحارث.
وقتل مِن يهود جماعةً كثيرين من الأسرى، وفادى أسرى بدر بالمال بأربعةِ آلاف إلى أربعمائةٍ، وفادى بعضَهم على تعليم جماعة من المسلمين الكتابة، ومنَّ على أبى عَزَّةَ الشاعر يومَ بدر، وقال فى أسارى بدر: ((لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بنُ عَدِىٍّ حَيَّاً، ثُمَّ كَلَّمَنِى فى هُؤلاَء النَّتْنى لأَطْلَقْتُهُمْ لَهُ)). وفدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين.
وفدى رجالاً من المسلمين بامرأة من السبى، استوهبها مِن سلمة بن الأكوع.
ومنَّ على ثُمامة بن أُثال، وأطَلَق يوم فتح مكة جماعةً مِن قريش، فكان يقال لهم: الطُّلقاء.
وهذه أول أحكام لم يُنسخ منها شىء، بل يُخير الإمامُ فيها بحسبِ المصلحة، واسترقَّ مِن أهل الكِتاب وغيرهم، فسبايا أوطاس، وبنى المصطَلِق لم يكونوا كتابين، وإنما كانوا عبدة أوثان مِن العرب، واسترق الصحابةُ مِنْ سبى بنى حنيفة، ولم يكونوا كتابيين. قال ابن عباس رضى اللَّه عنهما: خيَّرَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فى الأسرى بينَ الفداء والمنِّ والقتلِ والاستعباد، يفعلُ ما شاء، وهذا هو الحق الذى لا قول سواه.
فصل
وحكم فى اليهود بعدة قضايا، فعاهدَهم أوَّل مقدمه المدينة، ثم حاربه بُنو قَيْنُقَاع، فظَفِرَ بهم، ومنَّ عليهم، ثم حاربه بنو النضير، فظفِرَ بهم، وأجلاهم، ثُمَّ حارَبه بنو قُريظة، فظفِرَ بهم وقتلهم، ثم حاربه أهلُ خيبر، فظَفِرَ بهم وأقرَّهم فى أرض خيبرَ ما شاء سِوى مَنْ قتل مِنهم.
ولما حكم سعدُ بن معاذ فى بنى قُريظة بأن تُقتَل مقاتلتُهم، وتُسبى ذراريهم وتُغنم أموالُهم، أخبره رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: أن هذا حُكْمُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ مِن فوق سَبْعِ سَمَاوات.
وتضمَّن هذا الحكم: أن ناقضى العهدِ يسرى نقضُهم إلى نسائهم وذُرِّيَّتِهم إذا كان نقضُهم بالحرب، ويعودون أهلَ حرب، وهذا عينُ حكمِ اللَّهِ عزَّ وجل.