فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم فيما حازه المشركون من أموال المسلمين، ثم ظهر عليه المسلمون، أو أسلم عليه المشركون
 
فى البخارى: أن فرساً لابن عمر رضى اللَّه عنه ذهب، وأخذه العدو، فظهرَ عليه المسلمون، فَرُدَّ عليه فى زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأَبَقَ له عبد، فلحق بالروم، فظهر عليه المسلمون، فردَّه عليه خالد فى زمن أبى بكر رضى اللَّه عنه.
وفى ((سنن أبى داود)): أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم هو الذى رَدَّ عليه الغلام. وفى ((المدونة)) و((الواضحة)) أن رجلاً من المسلمين وجد بعيراً له فى المغانم، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((إنْ وَجدْتَه لم يُقْسَمْ، فَخُذْهُ، وإنْ وجدْتَهُ قَدْ قُسِمَ فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ إن أرَدْتَهُ)).
وصح عنه: أن المهاجرين طلبوا منه دُورَهم يوم الفتح بمكة، فلم يرد على أحد دارَه. وقل له: أين تَنْزِلُ غداً من دارك بمكة؟، فقال: ((وهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلاً))، وذلك أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، وثب عقل على رباع النبى صلى اللَّه عليه وسلم بمكة، فحازها كُلَّها، وحوى عليها، ثم أسلم وهى فى يده، وقضى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن من أسلم على شىء فهو له، وكان عقيل ورث أبا طالب، ولم يرثه على لتقدُّم إسلامه على موت أبيه، ولم يكنْ لرسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ميراثٌ مِن عبد المطلب، فإن أباه عبدَ اللَّه مات، وأبوه عبدُ المطلب حىٌّ، ثمَّ مات عبدُ المطلب، فَورِثه أولاده، وهم أعمامُ النبى صلى الله عليه وسلم، ومات أكيرُ أولاده، ولم يعقبوا، فحاز أبو طالب رِباعه، ثم مات، فاستولى عليها عَقيلٌ دونَ على لاختلاف الدين، ثم هاجر النبىُّ صلى الله عليه وسلم، فاستولى عقيل على داره، فلذلك قال رسول اللَّه: ((وهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلاً)).
وكان المشركون يَعْمِدُونَ إلى من هاجر من المسلمين ولحق بالمدينة، فيستولُون على داره وعقاره، فمضت السنةُ أن الكفارَ المحاربين إذا أسلموا، لم يضمنُوا ما أتلفُوه على المسلمين مِن نفس أو مال، ولم يَرُدُّوا عليهم أموَالهم التى غَصبُوهَا عليهم، بل من أسلم على شىء، فهو له ؛ هذا حكمه وقضاؤه صلى الله عليه وسلم.