فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم فى نِكاح الشّغارِ
 
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم فى نِكاح الشّغارِ والمُحلِّل، والمُتعَةِ ونِكاحِ المُحرِم، ونِكاح الزانيةِ
أما الشِّغار: فصحَّ النهى عنه مِن حديث ابن عمر، وأبى هُريرة، ومعاوية.
وفى صحيح مسلم: عن ابن عمر مرفوعاً ((لا شِغَارَ فى الإسْلاَمِ)).
وفى حديث ابن عمر: والشِّغار: أن يُزوِّجَ الرجلُ ابنتَه على أنَ يُزوِّجَه الآخرُ ابنتَه وليس بينهما صداق.
وفى حديث أبى هُريرة: والشِّغارُ: أن يقولَ الرجُلُ للِرجل: زوجنى ابنتَك وأُزوِّجك ابنتى، أو زوَّجنى أختك وأزوجُك أختى.
وفى حديث معاوية: أنَّ العباسَ بنَ عبد الله بن عباس أنكحَ عبدَ الرحمن ابنَ الحكم ابنَته، وأنكحه عبدُ الرحمن ابنتَه، وكانا جعلا صَدَاقاً، فكتب معاويةُ رضى الله عنه إلى مروان يأمُره بالتفريقِ بينهما، وقال: هذا الشِّغَارُ الذى نهى عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
فاختلف الفقهاء فى ذلك، فقال الإمام أحمد: الشِّغار الباطل أن يزوِّجه وليته على أن يزوِّجه الآخر وليته، ولا مهر بينهما على حديثِ ابن عمر، فَإن سمَّوا مع ذلك مهراً، صحَّ العقدُ بالمسمَّى عنده، وقَال الخرقى: لا يَصِحُّ ولو سمَّوا مهراً على حديث معاوية. وقال أبو البركات ابن تيمية وغيرُه مِن أصحاب أحمد: إن سمَّوْا مهراً وقالوا: مع ذلك: بُضع كل واحدة مهر الأخرة لم يَصِحَّ، وإن لم يقولوا ذلك، صح.
واختُلِفَ فى علة النهى، فقيل: هى جعلُ كل واحدٍ من العقدين شرطاً فى الآخر وقيل: العلة التشريكُ فى البُضع، وجعلُ بُضع كلِّ واحدة مهراً للأخرى، وهى لا تنتفِعُ به، فلم يرجع إليها المهر، بل عاد المهرُ إلى الولى، وهو مُلكه لبُضع زوجته بتمليكه لبُضع مُولِّيته، وهذا ظلم لكل واحدة مِنَ المرأتين، وإخلاءٌ لنكاحهما عن مهر تنتفع به، وهذا هو الموافق للغة العرب، فإنهم يقوْلون: بلد شاغر مِن أمير، ودار شاغرة مِن أهلها: إذا خلت، وشغر الكلبُ: إذا رفع رجله، وأخلى مكانَها. فإذا سمَّوا مهراً مع ذلك زال المحذور، ولم يبق إلا اشتراطُ كلِّ واحد على الآخر شرطاً لا يُؤثر فى فساد العقد، فهذا منصوص أحمد.
وأما من فرق، فقال: إن قالوا مع التسمية: إن بُضع كُل واحدة مهرٌ للأخرى، فسد، لأنها لم يرجعْ إليها مهرُها، وصار بُضعها لغير المستحق، وإن لم يقولوا ذلك، صحَّ، والذى يجىء على أصله أنهم متى عقدُوا على ذلك وإن لم يقولوه بألسنتهم أنه لا يصح، لأن القصود فى العقود معتبرة، والمشروط عرفاً كالمشروط لفظاً، فيبطل العقدُ بشرط ذلك، والتواطؤ عليه ونيته، فإن سمَّى لِكل واحدة مهرَ مثلها، صح، وبهذا تظهر حكمةُ النهى واتفاقُ الأحاديث فى هذا الباب.