فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم فى نِكاح المُتعَةِ
 
وأما نِكاحُ المُتعة، فثبت عنه أنه أحلَّها عامَ الفتح، وثبت عنه أنَّه نهى عنها عَامَ الفتح واختُلِفَ هل نهى عنها يومَ خيبر؟ على قولين، والصحيح: أن النهى إنما كان عامَ الفتح، وأن النهى يومَ خيبر إنما كان عن الحُمُرِ الأهلية، وإنما قال على لابن عباس: إنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نهى يومَ خيبرَ عن مُتعة النساء، ونهى عن الحمر الأهلية محتجاً عليه فى المسألتين، فظنَّ بعضُ الرواة أن التقييدَ بيوم خيبر راجع إلى الفَصْلَين، فرواه بالمعنى، ثم أفرد بعضُهم أحدَ الفصلين وقيَّده بيومِ خيبر، وقد تقدَّم بيانُ المسألة فى غزاة الفتح.
( وظاهِرُ كلامِ ابن مسعود إباحتُها، فإن فى ((الصحيحين)): عنه: كنا نغزو مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نِساء، فقلنا: يا رسول الله، ألا نَسْتَخْصِى؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخَّصَ لنا بعدُ أن نَنْكِحَ المرأة بالثَّوْب إلى أجَل، ثم قرأ عبدُ الله: {يَا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أحَلَّ اللَّهُ لَكُم وَلاَ تَعْتَدُوا إنَّ الله لاَ يُحبُّ المُعْتَدِينَ} [المائدة: 87] ولكن فى ((الصحيحين)): عن على رضى الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حرَّم مُتْعَةَ النِّسَاءِ.
وهذا التحريمُ: إنما كان بعد الإباحة، وإلا لزم منه النسخُ مرتين ولم يحتج به على علي بن عباس رضى الله عنهم، ولكن النظر: هل هو تحريمُ بَتَاتٍ، أو تحريمُ مِثْلُ تحريمِ الميتة والدم وتحريم نكاح الأمة فيُباح عند الضرورة وخوفِ العنت؟ هذا هو الذى لحظه بنُ عباس، وأفتى بِحِلِّها للضرورة، فلما توسَّع الناسُ فيها، ولم يقتصِرُوا على موضع الضرورة، أمسك عن فُتياه، ورجع عنها.