فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم فى نِكاح الزانيةِ
 
وأما نكاحُ الزانية، فقد صرَّح الله سبحانه وتعالى بتحريمه فى سُورة النور، وأخبر أن مَنْ نكحها، فهو إما زانٍ أو مشرك، فإنه إما أن يلتزِمَ حُكمَه سبحانه ويعتقد وجوبه عليه، أولا، فإن لم يلتزِمْه ولم يعتقده، فهو مشرك. وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه، فهو زانٍ، ثم صرَّح بتحريمه فقال: {وحُرِّمَ ذَلِكَ عَلىَ المؤْمِنينَ} [النور: 3].
ولا يخفى أن دعوى نسخ الآية بقوله:{وَأَنْكِحُوا الأَيَامى مِنْكُم} [النور:32]، مِن أضعفِ ما يُقال، وأضعف منه حملُ النكاح على الزنى إذ يصير معنى الآية: الزانى لا يزنى إلا بزانية أو مشركة، والزانية لا يزنى بها إلا زانٍ أو مشرك، وكلام الله ينبغى أن يُصان عن مثل هذا.
وكذلك حملُ الآية على امرأة بغى مشركة فى غاية البعد عن لفظها وسياقها، كيف وهو سبحانه إنما أباح نكاحَ الحرائر والإماءِ بشرط الإحصان، وهو العِفَّة، فقال: {فانْكِحُوهُنَّ بإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدانٍ} [النساء: 25]، فإنما أبح نكاحَها فى هذه الحالة دُون غيرها، وليس هذا من باب دلالة المفهوم، فإن الأبضاع فى الأصل على التحريم، فيُقتصرُ فى إباحتها على ما ورد به الشرعُ، وما عداه، فعلى أصل التحريم.
وأيضاً، فإنه سبحانه قال: {الخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثينَ والخَبِيثُونَ للْخَبِيثَاتِ} [النور: 26] والخَبِيثَاتُ: الزوانى. وهذا يقتضى أن من تزوَّج بهن، فهو خبيثٌ مثلهن.
وأيضاً. فمن أقبح القبائح أن يكون الرجلُ زوجَ بغى، وقُبْحُ هذا مستقر فى فطر الخلق، وهو عندهم غاية المسبَّة.
وأيضاً: فإن البَغِىَّ لا يُؤمَن أن تُفْسِدَ على الرجل فِرَاشه، وتعلِّق عليه أولاداً مِن غيره، والتحريم يثبت بدونْ هذا.
وأيضاً: فإن النبى صلى الله عليه وسلم فرق بين الرجل وبين المرأة التى وجدها حُبلى من الزنى.
وأيضاً فإن مرثد بن أبى مرثد الغنوى استأذن النبى صلى الله عليه وسلم أن يتزوج عَنَاق وكانت بغيَّاً، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم آية النور وقال: ((لا تَنْكِحْهَا)).