فصل في حُكمه صلى الله عليه وسلم فى الغَيل، وهو وطءُ المرضِعَة
 
ثبت عنه فى ((صحيح مسلم)): أنه قال: ((لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهى عَنِ الغِيْلَةِ حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذلكَ فَلاَ يَضُرُّ أَوْلاَدَهُم)) وفى سنن أبى داود عنه، من حديث أسماء بنت يزيد: ((لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم سِرّاً فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إنَّه لَيُدْرِك الفَارِسَ فَيُدَعْثِرُهُ)).
قال: قلت: ما يعنى؟ قلت: الغيلة: يأتى الرجلُ امرأتَه وهى ترضع.
قلت: أما الحديثُ الأول، فهو حديثُ جُدَامة بنت وهب، وقد تضمَّن أمرين لِكلٍّ منهما معارض: فصدرُه هو الذى تقدَّم: ((لقد هممتُ أن أنهى عن الغِيلة))، وقد عارضه حديث أسماء، وعجزه: ثم سألوه عن العزل، فقال: ((ذلك الوأد الخفى)) وقد عارضه حديث أبى سعيد: ((كذبت يهود))، وقد يُقال: إن قوله: ((لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ سِرّاً)) نهى أن يتسبب إلى ذلك، فإنه شبَّه الغَيل بقتل الولد، وليس بقتلٍ حقيقة، وإلا كان من الكبائر، وكان قرينَ الإشراك بالله، ولا ريبَ أن وطء المراضع مما تَعُمُّ به البلوى، ويتعذَّر على الرجل الصبر عن امرأته مدة الرضاع ولو كان وطؤُهن حراماً لكان معلوماً من الدين، وكان بيانُه مِن أهمِّ الأمور، ولم تُهمِلْه الأُمَّةُ، وخيرُ القرون، ولا يُصرِّحُ أحدٌ منهم بتحريمه، فَعُلِمَ أن حديث أسماء على وجه الإرشاد والاحتياط للولد، وأن لا يُعَرِّضَه لفساد اللبن بالحمل الطارىء عليه، ولهذا كان عادةُ العرب أن يسترضِعُوا لأولادهم غيرَ أمهاتهم، والمنع غايُته أن يكون من باب سد الذرائع التى قد تُفضى إلى الإضرار بالولد، وقاعدةُ باب سد الذرائع إذا عارضه مصلحة راجحة، قُدِّمَتْ عليه، كما تقدَّم بيانُه مراراً والله أعلم.