فصل في قضائه صلى الله عليه وسلم فى تحريم وطء المرأة الحبلى من غير الوَاطىء
 
ثبت فى ((صحيح مسلم)): من حديث أبى الدرداء رضىَ الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بامرأةٍ مُجِحِّ على بَابِ فُسْطَاطٍ، فقال: ((لَعَلَّهُ يُريدُ أَنْ يُلِمَّ بها)). فقالُوا: نَعَمْ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُه وهُوَ لا يَحِلُّ لهُ، كَيْفَ يَسْتَخْدِمُه وهُوَ لاَ يَحِلُّ لهُ)).
قال أبو محمد ابن حزم: لا يَصِحُّ فى تحريم وطءِ الحامِلِ خبرٌ غيرُ هذا. انتهى. وقد روى أهل ((السنن)) من حديث أبى سعيد رضى الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى سبايا أوطاس: ((لا تُوَطأْ حَامِلُ حَتَّى تَضَعَ، ولا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحيضَ حَيْضَةً)).
وفى الترمذى وغيره: من حديث رُويفع بن ثابت رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلا يَسْقِ مَاءَه وَلَدَ غَيْرِهِ)) قال الترمذى حديث حسن.
وفيه عن العِرباضِ بن سَارِيَةَ رضى الله عنه، أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم حرَّم وطءَ السبايا حتى يَضَعْنَ ما فى بُطونهن.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((كيف يُورِّثه وهو لا يَحلُّ له، كيف يستخدِمُه وهو لا يَحِلُّ له))، كان شيخُنا يقولُ فى معناه: كيف يجعلُه عبداً مَوروثاً عنه، ويستخدِمُه استخدامَ العبيدِ وهو ولدُه، لأن وطأه زاد فى خَلْقِه؟ قال الإمام أحمد: الوطء يزيد فى سمعه وبصره. قال فيمن اشترى جاريةً حاملاً من غيره، فوطئها قبل وضعها، فإن الولد لا يلحَقُ بالمشترى، ولا يتبعُه، لكن يعتِقُه لأنه قد شرك فيه، لأن الماءَ يزيدُ فى الولد، وقد روى عن أبى الدرداء رضى الله عنه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، مرَّ بامرأة مُجِحٍّ على باب فسطاط، فقال: ((لعله يُريد أن يُلِمَّ بها)) وذكر الحديثَ. يعنى: أنه إن استلحقه وشرِكه فى ميراثه، لم يحل له، لأنه ليس بولده، وإن أخذه مملوكاً يستخدِمُه لم يَحلَّ له لأنه قد شرك فيه لكون الماء يزيدُ فى الولد.
وفى هذا دلالة ظاهرةٌ على تحريم نكاح الحامِل، سواء كان حملُها مِن زوج أو سيِّدٍ أو شُبهة أو زنى، وهذا لا خلاف فيه إلا فيما إذا كان الحملُ مِن زنى، ففى صحة العقد قولان، أحدهما: بطلانُه وهو مذهبُ أحمد ومالك، والثانى: صحتُه وهو مذهب أبى حنيفة والشافعى ثم اختلفا، فمنع أبو حنيفة مِن الوطء حتى تنقضىَ العِدَّةُ، وكرهه الشافعى، وقال أصحابُه: لا يحرم.