فصل في حُكمه صلى الله عليه وسلم بالولدِ لِلفراش، وأن الأمة تكون فراشاً، وفيمن استلحق بعدَ مَوْتِ أبيه
 
ثبت فى ((الصحيحين))، من حديث عائشة رضى الله عنها، قالت: اختصم سعدُ بنُ أبى وقَّاص، وعبدُ بنُ زمعة فى غلام، فقال سعد: هذا يا رسولَ الله ابنُ أخى عتبة بن أَبى وقاص عَهِدَ إِلىَّ أنه ابنُه، انْظُرْ إِلى شَبَههِ، وقال عبدُ بنُ زمعة: هذا أخى يا رسولَ الله وُلِدَ على فِراش أبى مِن وَليدَتِهِ، فنظر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فرأى شبهاً بيناً بعُتبة، فقال: ((هُوَ لَكَ يا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الوَلَدُ لِلفِراشِ، ولِلْعَاهِرِ الحَجَرُ واحْتَجِبى مِنْهُ يا سَوْدَةُ))، فلم تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ.
فهذا الحكمُ النبوىُّ أصلٌ فى ثبوتِ النسب بالفراش، وفى أن الأمة تكون فِرَاشاً بالوطء، وفى أن الشَّبه إذا عارضَ الفِراش، قُدِّمَ عليه الفِراشُ، وفى أن أحكامَ النسب تتبعَّضُ، فتثبُت من وجهٍ دُونَ وجه، وهو الذى يُسميه بعضُ الفقهاء حُكمَاً بينَ حُكمين، وفى أن القافةَ حقٌ، وأنها من الشرع.
فأما ثبوتُ النسبِ بالفِراش، فأجمعت عليه الأمةُ، وجهاتُ ثبوتِ النسب أربعةٌ: الفراشُ، والاستلحاقُ، والبيِّنةُ، والقَافَةُ.
فالثلاثة الأول، متفق عليها، واتفق المسلمون على أن النِّكاحَ يثبُت به الفراشُ، واختلفوا فى التسرِّى، فجعله جمهورُ الأمة موجباً للفراش، واحتجوا بصريحِ حديثِ عائشة الصحيح، وأن النبىَّ صلى الله عليه وسلم قضى بالولدِ لِزمعة، وصرّح بأنه صاحبُ الفراش، وجعل ذلك عِلة للحكم بالولد له فسبَبُ الحكم ومحلُه إِنما كان فى الأمة، فلا يجوزُ إِخلاءُ الحديث منه وحملُه على الحرة التى لم تذكر البتة، وإنما كان الحكمُ فى غيرها، فإن هذا يستلزِمُ إِلغاءَ ما اعتبره الشارعُ وعلَّق الحكمَ به صريحاً، وتعطيلَ محلِّ الحكم الذى كان لأجله وفيه.
ثم لو لم يَرِدِ الحديثُ الصحيح فيه، لكان هو مقتضى الميزانِ الذى أنزل له الله تعالى لِيقومَ الناسُ بالقسْطِ، وهو التسويةُ بين المتماثلين، فإن السُّرِّيَّة فِراشٌ حِسَّاً وحقيقةً وحُكماً، كما أن الحُرَّةَ كذلك، وهى تُراد لما تُراد له الزوجةُ مِن الاستمتاع والاستيلادِ، ولم يزل الناسُ قديماً وحديثاً يرغبون فى السَّرارى لاستيلادِهن واستفراشهن، والزوجةُ إِنما سُمِّيَتْ فِراشاً لمعنى هى والسُّرِّيَّةُ فيه على حدٍّ سواء.
وقال أبو حنيفة: لا تكونُ الأمة فراشاً بأوَّلِ ولد ولدته مِن السيد، فلا يلحقُه الولدُ إلا إذا استلحقه، فيلحقه حينئذ بالاستلحاق، لا بالفِراشِ، فما ولدت بعد ذلك لَحقه إلا أن يَنْفِيَه، فعندهم ولدُ الأمة لا يلحق السيدَ بالفراش، إلا أن يتقدَّمه ولد مُسْتَلْحَقٌ، ومعلومٌ أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم ألحق الولدَ بزَمْعَةَ، وأثبتَ نسبه منه، ولمْ يثْبُتْ قَطُّ أن هذِهِ الأَمَة ولَدَتْ له قبل ذلك غيره، ولا سأل النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولا استفصل فيه.
قال منازعوهم: ليس لهذا التفصيلِ أصلٌ فى كتابٍ ولا سُنة، ولا أثرٍ عن صاحب، ولا تقتضيهِ قواعدُ الشرع وأصوله، قالت الحنفية: ونحن لا نُنكر كونَ الأمة فراشاً فى الجملة، ولكنه فراش ضعيف، وهى فيه دونَ الحرة، فاعتبرنا ما تعتق به بأن تَلِدَ منه ولداً فيستلحقه، فما ولدت بعد ذلك، لحق به إلا أن يَنْفِيَه، وأما الولد الأوَّل، فلا يلحقه إلا بالاستلحاق، ولهذا قُلتُم: إنه إذا استحلق ولداً مِن أمته لم يلحقه ما بعدَه إلا باستلحاقٍ مستأنف، بخلاف الزوجة، والفرقُ بينهما: أن عقدَ النكاح إنما يُراد للوطء والاستفراش، بخلاف مُلك اليمين، فإن الوطء والاستفراش فيه تابع، ولهذا يجوزُ ورودُه على من يحرم عليه وطؤُها بخلافِ عقد النكاح. قالوا: والحديثُ لا حُجَّةَ لكم فيه، لأن وطء زمعة لم يثبُتْ، وإِنما ألحقه النبىُّ صلى الله عليه وسلم لِعبد أخاً، لأنه استلحقه، فألحقه باستلحاقه، لا بفراش الأب.
قال الجمهورُ: إذا كانت الأمةُ موطوءة، فهى فِراش حقيقة وحُكماً، واعتبارُ ولادتها السابقة فى صيرورتها فراشاً اعتبارُ ما لا دليل على اعتباره شرعاً، والنبىُّ صلى الله عليه وسلم لم يعتبره فى فِراش زَمْعَة، فاعتبارُه تحكم.
وقولُكم: إن الأمةَ لا تفرد للوطء، فالكلام فى الأمة الموطوءة التى اتخذت سِّريَّة وفِراشاً، وجُعِلَتْ كالزوجة أو أحظى منها لا فى أمته التى هى أختُه من الرضاع ونحوها.
وقولُكم: إن وطء زمعةَ لم يثُبت حتَّى يلحق به الولدُ، ليس علينا جوابُه، بل جوابُه على من حكم بلحوق الولد بزمعة، وقال لابنه: هو أخوك.
وقولكم: إنما ألحقه بالأخ لأنه استلحقه: باطل، فإن المستلحق إن لم يُقِرَّ به جميعُ الورثة، لم يلحق بالمقر إلا أن يشهدَ منهم اثنان أنه وُلِدَ على فراش الميت، وعَبْدٌ لم يكن يُقِرُّ له جميعُ الورثة، فإن سودة زوجة النبى صلى الله عليه وسلم أخته، وهىَ لم تُقِرَّ به، ولم تَسْتَلحقهُ، وحتى لو أقَرَّت به مع أخيها عبدٍ، لكان ثبوتُ النسب بالفراش لا بالاستلحاق، فإن النبىَّ صلى الله عليه وسلم صرَّح عقيب حكمه بإلحاق النسب، بأن الولد للفراش معللاً بذلك، منبهاً على قضية كُلِّية عامة تتناولُ هذهِ الواقعةَ وغيرها. ثم جوابُ هذا الاعتراض الباطل المحرِّم، أن ثبوتَ كون الأمة فراشاً بالإقرار من الواطىء، أو وارثه كافٍ فى لحقوق النسب، فإن النبىَّ صلى الله عليه وسلم ألحقه به بقوله: ((ابن وليدة أبى وُلِدَ على فراشه))، كيف وزَمْعَةُ كان صِهرَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، وابنتُه تحته، فكيف لا يثُبت عنده الفِراشُ الذى يلحق به النسب؟
وأما ما نقضتُم به علينا أَنَّه إذا استحلق ولداً مِن أمته، لم يلحقه ما بعدَه إلا بإقرارٍ مستأنَف، فهذا فيه قولان لأصحاب أحمد، هذا أحدُهما، والثانى: أنه يلحقُه وإن لم يستأنِفْ إقراراً، ومن رجَّح القولَ الأول قال: قد يستبرئها السيدُ بعد الوِلادة، فيزولُ حكمُ الفِراش بالاستبراء، فلا يلحقُه ما بعد الأول بإعتراف مستأنف أنه وطئها، كالحال فى أول ولد.
ومن رجَّح الثانى قال: قد يثبت كونُها فراشاً أولاً، والأصلُ بقاء الفراش حتى يَثْبُتَ ما يُزيله، إذ ليس هذا نظيرَ قولكم: إنه لا يلحقُه الولدُ مع اعترافه بوطئها حتى يستلحِقَه، وأبطلُ من هذا الاعتراض قولُ بعضهم، إنه لم يُلحقه به أخاً، وإنما جعله له عبداً، ولهذا أتى فيه بلام التمليك فقال: ((هُوَ لَكَ))، أى: مملوك لك، وقوَّى هذا الاعتراض بأن فى بعض ألفاظ الحديث ((هُوَ لَكَ عبد))، وبأنه أمر سودَةَ أن تحتجِبَ منه، ولو كان أخاً لها لما أمرها بالاحتجاب منه، فدلَّ على أنه أجنبى منها. قال: وقوله: ((الولد للِفراش))، تنبيه على عدم لحوق نسبه بزمعة أى: لم تكن هذه الأمة فراشاً له، لأن الأمة لا تكون فراشاً، والولد إنما هو للِفراش، وعلى هذا يَصِحُّ أمرُ احتجاب سودة منه، قال: ويُؤكده أن فى بعض طرق الحديث: ((احتجبى منه، فإنه ليس لك بأخ)) قالوا: وحينئذ فتبيَّن إنا أسعدُ بالحديث وبالقضاء النبوى منكم.
قال الجمهورُ: الآن حَمِىَ الوطيسُ، والتقت حلقتا البطان فنقول واللَّه المستعان : أمّا قولُكم: إنه لم يُلحقه به أخاً، وإنما جعله عبداً، يردُّه ما رواه محمد بن إسماعيل البخارى فى ((صحيحه)) فى هذا الحديث: ((هو لك، هو أخوك يا عبد بن زمعة)) وليس اللام للتمليك، وإنما هى للاختصاص، كقوله: ((الولد للفراش)). فأما لفظة قوله: ((هو لك عبد))، فرواية باطلة لا تَصِحُّ أصلاً. وأما أمرُه سودة بالاحِتجاب منه، فإما أن يكونَ على طريقِ الاحتياطِ لمكان الشبهة التى أورثها الشَّبهُ البَيِّنُ بعُتبة، وإما أن يكون مراعاةً للشَّبهَيْنِ وإعمالاً للدليلين، فإن الفِراش دليلُ لحوق النسب، والشبه بغير صاحبه دليلُ نفيه، فأعمل أمرَ الفراش بالنسبة إِلى المدَّعى لقوته، وأعمل الشَّبه بعُتبة بالنسبة إلى ثبوت المحرمية بينه وبَين سودة، وهذا مِن أحسن الأحكام وأبينها، وأوضحها، ولا يمنع ثبوتُ النسبِ مِن وجه دونَ وجه، فهذا الزانى يثبُت النسبُ منه بينه وبين الولد فى التحريم والبعضية دون الميراثِ والنفقةِ والوِلاية وغيرها، وقد يتخلَّف بعضُ أحكام النسب عنه مع ثبوته لمانع، وهذا كثيرٌ فى الشريعة، فلا يُفكر مِن تخلُّف المحرمية بينَ سودة وبينَ هذا الغلام لمانع الشبه بعتبة، وهل هذا إلا محضُ الفقه؟ وقد علم بهذا معنى قوله: ((ليس لكِ بأخ))، لو صحت هذه اللفظة مع أنها لا تصِحُّ، وقد ضعفها أهلُ العلم بالحديث، ولا نُبالى بصحتها مع قوله لعبد: ((هُو أَخُوكَ))، وإذا جمعت أطرافَ كلام النبى صلى الله عليه وسلم، وقرنت قوله: ((هو أخوك))، بقوله: ((الولد للفراش، وللعاهر الحجرُ))، تبيَّن لك بطلانُ ما ذكروهُ من التأويل، وأن الحديثَ صريحٌ فى خلافه لا يحِتملُه بوجه واللَّه أعلم. والعجب أن منازعينا فى هذه المسألة يجعلُون الزوجة فراشاً لمجرد العقد، وإن كان بينَها وبين الزوج بعد المشرقين، ولا يجعلونَ سُرِّيّتَه التى يتكرَّر استفراشُه لها ليلاً ونهاراً فِراشاً.
فصل
واختلف الفقهاءُ فيما تصيرُ به الزوجة فراشاً، على ثلاثة أقوال:
أحدُها: أنه نفسُ العقد وإن علم أنه لم يجتمع بها، بل لو طلَّقها عقيبَه فى المجلس، وهذا مذهب أبى حنيفة.
والثانى: أنه العقدُ مع إمكان الوطء، وهذا مذهب الشافعى وأحمد.
والثالث: أنه العقدُ مع الدخول المحقَّقِ لا إمكانه المشكوك فيه، وهذا اختيارٌ شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: إن أحمد أشار إليه فى رواية حرب، فإنه نص فى روايته فيمن طلق قبل البناء، وأتت امرأتُه بولد، فأنكره أنه ينتفى عنه بغير لعان وهذا هو الصحيحُ المجزوم به، وإلا فكيف تصيرُ المرأة فراشاً ولم يدخُلْ بها الزوجُ ولم يَبْنِ لمجرد إمكان بعيدٍ؟ وهل يَعُدُّ أهلُ العرف واللغة المرأة فراشاً قبل البناء بها وكيف تأتى الشريعةُ بإلحاق نسبٍ بمن لم يبن بامرأته، ولا دخلَ بها، ولا اجتمع بها بمجرَّدِ إمكان ذلك؟ وهذا الإمكانُ قد يقطع بإنتفائه عادة، فلا تصيرُ المرأة فِراشاً إلا بدخول محقق، وباللَّه التوفيق. وهذا الذى نص عليه فى رواية حرب، هو الذى تقتضيه قواعِدُه وأصولُ مذهبه واللَّه أعلم.
واختلفوا أيضاً فيما تصير به الأمةُ فراشاً، فالجمهور على أنه لا تصير فراشاً إلا بالوطءِ، وذهب بعضُ المتأخرين من المالكية إلى أن الأمة التى تشترى للوطء دونَ الخِدمة، كالمرتفعة التى يُفهم من قرائن الأحوال أنها إنما تُراد للتسرى، فتصير فِراشاً بنفس الشراء، والصحيح أن الأمة والحرة لا تصيران فِراشاً بالدخول.
فصل
فهذا أحدُ الأمور الأربعة التي يثبتُ بها النسب، وهو الفراش.
الثانى: الاستلحاق وقد اتفق أهلُ العلم على أن للأبِ أن يستلحِقَ فأما الجدُّ، فإن كان الأبُ موجوداً لم يؤثر استلحاقه شيئاً، وإن كان معدوماً، وهو كُلُّ الورثة، صح إقراره، وثبت نسبُ المُقِرِّ به، وإن كان بعضَ الورثة وصدَّقوه، فكذلك، وإلا لم يثْبُتْ نسبه إلا أن يكون أحد الشاهدين فيه.
والحكم فى الأخ كالحكم فى الجد سواء، والأصل فى ذلك أن مَن حاز المالَ يثبُت النسبُ بإقراره واحداً كان أو جماعة، وهذا أصلُ مذهب أحمد والشافعى، لأن الورثة قامُوا مقامَ الميت، وحلُّوا محلَّه. وأورد بعضُ الناس على هذا الأصل، أنه لو كان إجماعُ الورثة على إلحاق النسب يُثْبِتُ النسب، للزم إذا اجتمعوا على نفى حملٍ مِن أمة وطئها الميت أن يحلوا محلَّه فى نفى النسب، كما حلوا محلَّه فى إلحاقه، وهذا لاَ يَلْزَمُ، لأنا اعتبرنا جميعَ الورثة والحمل من الورثة، فلم يُجْمِعِ الورثة على نفيه.
فإن قيل: فأنتم اعتبرتُم فى ثبوت النسب إقرارَ جميع الورثة، والمقر هاهنا إنما هو عبدٌ، وسودةُ لم تُقِرَّ به وهى أختُه، والنبىُّ صلى الله عليه وسلم ألحقَهُ بعبد باستلحاقه، ففيه دليل على استلحاق الأخ وثبوت النسب بإقراره، ودليلٌ على أن استلحاقَ أحدِ الأخوة كافٍ.
قيل: سودةُ لم تكن منكرة، فإن عبداً استلحقه، وأقرته سودةُ على استلحاقه، وإقرارُها وسكوتُها على هذا الأمر المتعدى حكمُه إليها من خلوته بها، وبرؤيته إياها وصيرورته أخاً لها تصديقٌ لأخيها عَبْدٍ، وإقرارٌ بما أقر به، وإلا لبادرت إلى الإنكار والتكذيبِ، فجرى رِضاها وإقرارُها مجرى تصدِيقها، هذا إن كان لَمْ يَصْدُرْ منها تصديقٌ صريح، فالواقعة واقعةُ عين، ومتى استلحق الأخُ أو الجدُّ أو غيرُهما نسبَ من لو أقَّر به مورثهم لحقه، ثبت نسبُه ما لم يكن هنا وارثٌ منازع، فالاستلحاقُ مقتضٍ لثبوتِ النسب، ومنازعة غيره مِن الورثة مانعٌ من الثبوتِ، فإِذا وُجِدَ المقتضى، ولم يمنع مانِعٌ من اقتضائه، ترتّبَ عليه حكمُه. ولكن هاهنا أمر آخر، وهو أن إقرارَ من حاز الميراثَ واستلحاقه: هل هو إقرارُ خلافةٍ عن الميت أو إِقرارُ شهادة؟ هذا فيه خلافٌ، فمذهبُ أحمد والشافعى رحمهما الله، أنه إقرارُ خِلافه، فلا تُشترط عدالة المستلحق، بل ولا إسلامُه، بل يَصِحُّ ذلك مِن الفاسق والدَّيِّن، وقالت المالكية: هو إقرارُ شهادة، فتعتبرُ فيه أهليةُ الشهادة، وحكى ابن القصار عن مذهب مالك: أن الورثة إذا أقرُّوا بالنسب، لحق، وإن لم يكونوا عدولاً، والمعروف من مذهب مالك خلافُه.
فصل
الثالث: البينة، بأن يشهد شاهِدانِ أنَّه ابنه، أو أنه وُلِدَ على فراشه مِن زوجتِه أو أمته، وإذا شهد بذلك اثنان من الورثة لم يلتفت إلى إنكار بقيتهم وثبت نسبة، ولا يُعرف فى ذلك نزاع.
فصل
الرابع: القافة، حكم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وقضاؤُه باعتبار القافة وإلحاق النسب بها.
ثبت فى ((الصحيحين)): من حديث عائشة رضى الله عنها قالت: دخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ مسروراً تَبْرُقٌ أساريرُ وجهه، فقال: ((أَلَمْ تَرَىْ أَنَّ مُجَزِّزاً المُدْلِجِى نَظَر آنفاً إِلى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُؤُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فقال: إِنَّا هذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ))، فَسُرَّ النبىّ صلى الله عليه وسلم بقول القائف ولو كانت كما يقول المُنازِعُونَ مِن أَمر الجاهلية كالكهانة ونحوها لما سُرَّ بها، ولا أُعْجِبَ بِهَا، ولكانت بمنزلة الكَهانة. وقد صحَّ عنه وعيدُ مَن صَدَّق كاهناً. قال الشافعي: والنبىُّ صلى الله عليه وسلم أثبته عِلماً، ولم يُنْكِره، ولو كان خطأ لأنكره، لأن فى ذلك قذفَ المحصَناتِ، ونفىَ الأنساب، انتهى.
كيف والنبىُّ صلى الله عليه وسلم قد صرَّح فى الحديث الصحيح بصحتها واعتبارها، فقال فى ولد الملاعنة: ((إن جاءت به كذا وكذا فهو لهلالِ بنِ أمية، وإن جاءت به كذا وكذا فهو لشريك بن سَحْماء))، فلما جاءت به على شَبَهِ الذى رُمِيَتْ به قال: ((لَوْلاَ الأيْمَانُ لَكَانَ لِى وَلَهَا شَأْنٌ)) وهل هذا إلا اعتبار للشبه وهو عينُ القافة، فإن القائِفَ يتبعُ أَثرَ الشبه، وينظرُ إلى من يتَّصِلُ، فيحكم به لصاحب الشبه، وقد اعتبر النبى صلى الله عليه وسلم الشبه وبيَّن سببه، ولهذا لما قالت له أمٌّ سلمة: أو تحتلم المرأة، فقال: ((مِمَّ يَكُونُ الشَّبَهُ)).
وأخبر فى الحديث الصحيح، أن ماء الرَّجُل إذا سَبَقَ ماءَ المرأة، كان الشَّبَهُ لَهُ، وإِذا سَبَقَ مَأُوهَا مَاءَهُ، كان الشَّبَهُ لَهَا)). فهذا اعتبار منه للشبه شرعاً وقدراً، وهذا أقوى ما يكون مِن طرق الأحكام أن يتوارَدَ عليه الخلقٌ والأمرُ والشرعُ والقدرُ ولهذا تبعه خلفاؤه الراشِدُونَ فى الحُكم بالقَافه.
قال سعيد بن منصور: حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، عن عمر فى امرأة وَطئهَا رجلانِ فى طهرٍ، فقال القائفُ، قد اشتركا فيه جميعاً، فجعلَه بينهما.
قال الشعبي: وعلى يقول: هو ابنُهما، وهما ابواه يرثانه، ذكره سعيد أيضاً.
وروى الأثرم بإسناده، عن سعيد بن المسيِّب، فى رجلين اشتركا فى طُهْرِ امرأةٍ فحملت، فولَدَتْ غُلاماً يُشبههما، فرُفِعَ ذلك إلى عمرَ بنِ الخطاب، فدعا القافة فنظرُوا، فقالوا: نراه يُشِبهُهُمَا، فألحقه بهما، وجعَلَه يَرثُهما ويرثانه.
ولا يُعْرَفُ قطُّ فى الصحابة مَنْ خالف عمر وعلياً رضى الله عنهما فى ذلك، بل حكم عمر بهذا فى المدينة، وبحَضرته المهاجرون والأنصار، فلم يُنْكِرْهُ منهم منكر.
قال الحنفية: قد أجلبتم علينا فى القافة بالخيلِ والرَّجلِ، والحُكُمُ بالقيافة تعويلٌ على مجرَّد الشَّبه والظن والتخمين، ومعلوم أن الشَّبه قد يُوجد من الأجانب، وينتفى عن الأقارب، وذكرتُم قِصة أسامة وزيد، ونسيتُم قِصةَ الذى ولدت امرأتُه غلاماً أسود يُخالِفُ لونَهما، فلم يُمكنه النبى صلى الله عليه وسلم من نفيه، ولا جَعَلَ للشبه ولا لِعدمه أثراً، ولو كان للِشبه أثر، لاكتفى به فى وَلدِ الملاعنة، ولم يحتج إلى اللعان، ولكان ينتظِرُ ولادته، ثم يُلحق بصاحب الشبه، ويستغنى بذلك عن اللعان بل كانَ لا يَصِحُّ نفيُه مع وجودِ الشبه بالزوج، وقد دَلَّت السنةُ الصحيحةُ الصريحة على نفيه عن الملاعين، ولو كان الشبه له، فإن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال: ((أَبْصِرُوها فإن جَاءَتْ بِهِ كَذَا وكَذَا، فَهُوَ لِهِلال بْنِ أُميَّة))، وهذا قاله بعد اللِّعان ونفى النسب عنه فعُلِمَ أنه لو جاء على الشبه المذكور، لم يَثْبُتْ نسبُه منه، وإنما كان مجيئه على شبه دليلاً على كذبه، لا على لحوق الولد به.
قالوا: وأما قصةُ أسامةَ وزيدٍ، فالمنافقون كانوا يطعنون فى نسبه من زيد لمخالفة لونه لون أبيه، ولم يكونوا يكتفون بالفِراش، وحكم الله ورسُولُه فى أنه ابنُه، فلما شهد به القائفُ وافقت شهادتُه حكمَ اللَّهِ ورسوله، فسر به النبى صلى الله عليه وسلم لموافقتِها حكمه، ولتكذيبها قولَ المنافقين، لا أنه أثبت نسبه بها، فأين فى هذا إِثباتُ النسب بقول القائف؟
قالوا: وهذا معنى الأحاديث التى ذكر فيها اعتبارُ الشبه، فإنها إنما اعتبرت فيه الشبه بنسب ثابت بغير القافة، ونحن لا نُنكرُ ذلك. قالوا: وأما حكم عمر وعلى، فقد اختُلِفَ على عمر، فرُوى عنه ما ذكرتُم، ورُوى عنه أن القائف لما قال له: قد اشتركا فيه، قال وَالِ أيَّهما شئت. فلم يعتبر قولَ القائف
قالوا: وكيف تقولون بالشبه، ولو أقر أحدُ الورثة بأخ، وأنكره الباقون، والشَّبَهُ موجود، لم تُثبِتُو النسبَ به، وقلُتم: إن لم تتفق الورثة على الإقرارِ به لم يثبُتِ النَّسَبُ؟.
قال أهلُ الحديث: مِن العجب أن يُنكِرَ علينا القولَ بالقافة، ويجعلَها مِن باب الحَدْسِ والتخمين مَنْ يُلْحِقُ ولدَ المشرقى بمن فى أقصى المغرب، مع القطع بأنهما لم يتلاقيا طرفةَ عين، ويلُحق الولَد باثنين مع القطع بأنه ليس ابناً لأحدهما، ونحنُ إنما ألحقنا الولدَ بقول القائف المستند إلى الشبه المعتبر شرعاً وقدراً، فهو إستناد إلى ظن غالب، ورأى راجح، وأمارة ظاهرة بقول من هو مِن أهل الخبرة، فهو أولى بالقبول مِن قول المقومين، وهل يُنكر مجىءُ كثير من الأحكام مستنداً إلى الأمارات الظاهرة، واالظنون الغالبة؟
( وأما وجود الشبه بين الأجانب، وانتفاؤه بين الأقارب، وإن كان واقعاً فهو مِن أندر شىء وأقَلَّه، والأحكام إنما هى للغالب الكثير، والنادرُ فى حكم المعدوم.
وأما قصةُ من ولدت امرأتُه غلاماً أسود، فهو حجةٌ عليكم، لأنها دليل على أن العادة التى فطر الله عليها الناسَ اعتبارُ الشبه، وأن خلافَه يُوجب ريبة، وأن فى طباع الخلق إنكارَ ذلك ولكن لما عارض ذلك دليلٌ أقوى منه وهو الفِراش، كان الحكمُ للدليل القوى، وكذلك نقول نحن وسائر الناس: إن الفراش الصحيح إذا كان قائماً، فلا يُعارَض بقافة ولا شَبَهِ، فمخالفةُ ظاهر الشبه لدليلٍ أقوى منه وهو الفِراشُ غيرُ مستنكر، وإنما المستنكرُ مخالفةُ هذا الدليل الظاهر بغير شىء.
وأما تقديمُ اللعان على الشبه، وإلغاءُ الشبه مع وجوده، فكذلك أيضاً هو مِن تقديم أقوى الدليلين على أضعفهما، وذلك لا يمنع العملَ بالشبه مع عدم ما يُعارضه، كالبينة تُقدم على اليد والبراءة الأصلية، ويُعمل بهما عند عدمهما. وأما ثبوتُ نسبِ أسامة من زيد بدون القيافة، فنحن لم نُثبت نسبه بالقيافة، والقيافةُ دليل آخر موافق لدليل الفِراش، فسرورُ النبى صلى الله عليه وسلم، وفرجُه بها، واستبشارُه لتعاضُد أدلة النسب وتضافرها، لا لإثبات النسب بقولِ القائف وحدَه، بل هو من باب الفرح بظهور أعلامِ الحق وأدلته وتكاثرها، ولو لم تصلُحِ القيافةُ دليلاً لم يَفْرَحْ بها ولم يُسر، وقد كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم يقرح ويُسر إذا تعاضدت عنده أدلةُ الحق، ويُخبر بها الصحابةَ، ويُحب أن يسمعوها من المخبر بها، لأن النفوسَ تزدادُ تصديقاً بالحق إذا تعاضدت أدلته، وتُسُّر به وتفرح، وعلى هذا فطر اللَّهُ عباده، فهذا حكم اتفقت عليه الفطرة والشرعة وباللَّه التوفيق.
وأما ما رُوى عن عمر أنه قال: وَالِ أيهما شئت، فلا تعرف صحته عن عمر، ولو صحّ عنه لكان قولاً عنه، فإن ما ذكرنا عنه فى غاية الصحة، مع أن قوله: وال أيهما شئت ليس بصريح فى إبطال قول القائف، ولو كان صريحاً فى إبطال قوله، لكان فى مثل هذا الموضع إذا ألحقه باثنين، كما يقوله الشافعى ومن وافقه.
وأما إذا أقر أحدُ الورثة بأخ، وأنكره الباقون، فإنما لم يثبُتْ نسبُه لمجرد الإقرار، فأما إذا كان هناك شبهٌ يستنِدُ إليه القائف، فإنه لا يُعتبر إنكارُ الباقين، ونحن لا نقصُر القَافَةَ على بنى مُدْلِج، ولا نعتبِرُ تعدد القائف، بل يكفى واحد على الصحيح بناء على أنه خبر، وعن أحمد رواية أخرى: أنه شهادة، فلا بد من اثنين، ولفظُ الشهادة بناء على اشتراط اللفظ.
فإن قيل: فالمنقول عن عمر أنه ألحقه بأبوين، فما تقولون فيما إذا ألحقته القافة بأبوين، هل تُلحِقُونه بهما، أو لا تُلحقونه إلا بواحدٍ، وإذا ألحقتمُوه بأبوين، فهل يختصُّ ذلك باثنين، أم يلحقُ بهم وإن كثروا، وهل حُكمُ الاثنين فى ذلك حكم الأبوين أم ماذا حُكمهما؟
قيل: هذه مسائل فيها نزاع بين أهل العلم، فقال الشافعى ومن وافقه: لا يُلحق بأبوين، ولا يكون للرجل إلا أبٌ واحد، ومتى ألحقته القافة باثنين، سقط قولُها، وقال الجمهورُ: بل يلحق باثنين، ثم اختلفوا، فنص أحمد فى رواية مهنا بن يحيى: أنه يُلحق بثلاثة، وقال صاحب المغنى: ومقتضى هذا أنه يُلحق بمن أحلقته القافةُ به وإن كثروا، لأنه إذا جاز إلحاقُه باثنين، جاز إلحاقه بأكثرَ من ذلك وهذا مذهبُ أبى حنيفة، لكنه لا يقولُ بالقافة، فهو يُلحقه بالمدَّعين وإن كثروا، وقال القاضى: يجب أن لا يُلحق بأكثر من ثلاثة، وهو قولُ محمد بن الحسن، وقال ابنُ حامد: لا يُلحق بأكثرَ من اثنين، وهو قولُ أبى يوسف، فمن لم يُلحقه بأكثرَ من واحد، قال: قد أجرى الله سبحانه عادته أن للولد أباً واحداً، وأماً واحدة، ولذلك يُقال: فلانُ ابن فلان، وفلان ابن فلانه فقط. ولو قيل: فلان ابن فلان وفلان، لكان ذلك منكراً، وعُد قذفاً، ولهذا إنما يُقال يومَ القيامة: أين فُلان بن فلان؟ وهذه غَدْرَةُ فلان بن فلان، ولم يُعهد قطُّ فى الوجود نسبة ولد إلى أبوين قط، ومن ألحقه باثنين، احتج بقول عمر، وإقرار الصحابة له على ذلك، وبأن الولد قد ينعقِدُ من ماء رجلين، كما ينعقد من ماء الرجل والمرأة، ثم قال أبو يوسف: إنما جاء الأثرُ بذلك، فيُقتصر عليه. وقال القاضى: لا يتعدى به ثلاثة، لأن أحمد إنما نص على الثلاثة، والأصل ألا يُلحق بأكثرَ مِن واحد، وقد دل قول عمر على إلحاقه باثنين مع انعقاده من ماء الأم، فدل على إمكان انعقاده من ماء ثلاثة، وما زاد على ذلك، فمشكوكٌ فيه.
قال المُلْحِقُونَ له بأكثرَ مِن ثلاثة: إذا جاز تخليقه من ماء رجلين وثلاثة، جاز خلقُه مِن ماء أربعة وخمسة، ولا وجه لاقتصاره على ثلاثة فقط، بل إما أن يُلحق بهم وإن كُثروا، وإما أن لا يتعدى به أحد، ولا قول سوى القولين واللَّه أعلم.
فإن قيل: إذا اشتمل الرحمُ على ماء الرجل، وأراد الله أن يخلُق منه الولدَ، انضم عليه أحكمَ انضمام، وأتمّه حتى لا يَفٍسُدَ، فكيف يدخل عليه ماء آخر؟ قيل: لا يمتنِعُ أن يَصِلَ الماءُ الثانى إلى حيث وصل الأول، فينضم عليهما، وهذا كما أن الولدَ ينعقِد من ماءِ الأَبَويْنِ، وقد سبق ماءُ الرجل ماء المرأة أو بالعكس، ومع هذا فلا يمتنِعُ وصولُ الماء الثانى إلى حيث وصل الأول، وقد علِم بالعادة أن الحامل إذا تُوبع وطؤها، جاء الولد عبل الجسم ما لم يُعارِضْ ذلك مانع، ولهذا ألهم الله سبحانَه الدوابَّ إذا حملت أن لا تُمكِّنَ الفحلَ أن ينزوَ عليها، بل تَنْفِرُ عنه كُلَّ النِّفار، وقال الإمام أحمد: إن الوطء الثانى يزيد فى سمع الولد وبصره، وقد شبَّهه النبىُّ صلى الله عليه وسلم بسقى الزرع، ومعلومٌ أن سقيَه يزيدُ فى ذاته واللَّه أعلم.
فإن قيل: فقد دلَّ الحديثُ على حكم استلحاق الولد، وعلى أن الولد للفراش، فما تقولون لو استلحق الزانى ولداً لا فِراش هُناك يُعارضه، هل يلحقُه نسبُه، ويثبتُ له أحكامُ النسب؟
قيل: هذه مسألة جليلة اختلف أهلُ العلم فيها، فكان إسحاق بن راهويه يذهبُ إلى أن المولودَ مِن الزِّنى إذا لم يكن مولوداً على فراش يدَّعيه صاحبه، وادعاه الزانى، أُلحِقَ به، وأوَّل قول النبى صلى الله عليه وسلم: ((الولد للفراش))، على أنه حكم بذلك عند تنازُع الزانى وصاحب الفراش، كما تقدم، وهذا مذهب الحسن البصرى، رواه عنه إسحاق بإسناده، فى رجل زنى بامرأة، فولدت ولداً، فادَّعى ولدَها فقال: يُجلد ويلزمُه الولد، وهذا مذهبُ عروة بن الزبير، وسليمانَ بن يسار ذكر عنهما أنهما قالا: أيُّما رجل أتى إلى غلام يزعم أنه ابن له، وأنه زنى بأمه ولم يَدَّعِ ذلك الغلامَ أحد، فهو ابنُه، واحتج سليمان، بأن عمر بن الخطاب كان يُلِيطُ أولادَ الجاهلية بمن ادعاهم فى الإسلام، وهذا المذهبُ كما تراه قوة ووضوحاً، وليس مع الجمهور أكثرُ مِن ((الولد للفراش)) وصاحبُ هذا المذهب أوَّلُ قائل به، والقياسُ الصحيح يقتضيه، فإن الأبَ أحدُ الزانيين، وهو إذا كان يلحق بأمه، وينسب إليها وترثه ويرثُها، ويثبت النسب بينه وبين أقارب أمه مع كونها زنت به، وقد وُجِدَ الولدُ مِن ماء الزانيين، وقد اشتركا فيه، واتفقا على أنه ابنهُما، فما المانِعُ مِن لحوقه بالأب إذا لم يدَّعِهِ غيرُه؟ فهذا محضُ القياس، وقد قال جريج للغلام الذى زنت أمُّه بالراعى: من أبوك يا غلام؟ قال: فلان الراعى، وهذا إنطاق من الله لا يُمكن فيه الكذبُ.
فإن قيل: فهل لِرسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه المسألة حُكم؟ قيل: قد رُوى عنه فيها حديثانِ، نحن نذكرُ شأنهما.